من بحثي (الكرد في سوريا و العراق من الالف الى الياء )
الفصل الأول: العرب و الكرد و الاتهامات المتبادله
ماهر حميد – زي بوست
يتبادل العرب والأكراد الاتهامات وهذا أمر حدث مؤخراً وما كان قائماً من قبل. فيدعي الأكراد أن العرب سلبوا أراضيهم التاريخية في سوريا والعراق كما استولوا على تاريخهم الثقافي ونسبوه لأنفسهم ثم يقومون بنعتهم بأسوء الصفات. كقولهم إن الأكراد هم من أحفاد الجن أو من تجمع غير متجانس من الأمم او هم من الغجر او الزط.
في حين يدعي العرب أنهم استضافوا الأكراد في بلادهم ولكن هؤلاء بدأوا يسوقون ويفبروكون قصصاً تبرر لهم الاستيلاء على الاراضي التي استضافتهم. وبدأ الصراع يتجه الى ان يصبح صراعاً قومياً مثل كل الصراعات القومية التي ذهبت ضحيتها ملايين الأرواح… رغم أن لا أحد الى اليوم اتفق على تعريف معنى هذه القومية التي تخفي تحت جلدها دائماً مصلحة ما.
ولا يتآلف الكردي والعربي اليوم سوى لساعات في رحلة البلم التي تجمعهم وهم مغامرين بأرواحهم وأرواح عائلاتهم تاركين أراضي النزاع هذه ومتجهين بحثاً عن وطن جديد يتيح لهم التحول إلى مواطنين كاملي الحقوق خلال سنوات قليلة وتؤهل أولادهم كامل الحقوق و تؤهلهم للوصول إلى أعلى المناصب في تلك الدول.
أما فيما يخص تاريخ الكرد في المنطقة فهذا هو موضوع بحثي ولكني قبل ان ابتدأ به أحب أن ألقي ضوءاً حول ما يقال عن اتهام الكرد للعرب بأنهم ونعتوا الأكراد بأنهم من أحفاد الجن أو أبناء الشيطان وغير ذلك من الروايات.
إن الروايات الغريبة حول أصول الكرد لم ترد في روايات العرب بل جاءت من خلف جبال زاغروس من الفرس او من الأكراد أنفسهم وبعض هذه الروايات مازال الأكراد يتداولونها في كتبهم وسهراتهم وقد نسب الأمير ( شرف الدين البدليسي ) الكرد مرة إلى الجن وقد كشف عنهم الغطاء، ومرة إلى أن الشياطين تزاوجوا مع أبناء حواء فنشأ منهم الكرد. ورغم أن العرب والمسلمين نقلوا بعض هذه الروايات في كتبهم ولكن لم يتبناها منهم إلا من كان فارسي الأصل أو من ذوي الثقافة الفارسية المدنية أو الدينية.
في حين نسب المؤرخون العرب الاقحاح منهم بلا استثناء اصل الكرد الى العرب، فأبو اليقظان سحيم بن حفص المتوفى سنة 190 و هو صاحب اول كتال مكتوب بالانساب من بين النسابة العرب نسبهم بكتابه ” كتاب النسب الكبير ” الى كرد بن عمر بن عامر بن صعصعة، اما ابن الكلبي ( ت 204 هـ) فقد نسب الكرد إلى عرب الجنوب.
و قال المسعودي ( ت ٣٤٥- هـ) وهو حفيد الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. ( أما أجناس الأكراد وأنواعهم فقد تنازع الناس في بدئهم .. فمنهم من رأى انهم من ( ربيعة بن نزار بن عدنان ) انفردوا في قديم الزمان وانضافوا إلى الجبال والأودية ودعتهم إلى ذلك الأنفة وجاوروا من هنالك من الأمم الساكنة المدن والعمائر من الأعاجم والفرس فحالوا عن لسانهم وصارت لغتهم أعجمية ولكل نوع من الأكراد لغة لهم بالكردية. ومنهم من رأى انهم من مضر بن نزار …. انفردوا لوقائع ودماء كانت بينهم وبين غسان. ومن الناس من ألحقهم بإماء سليمان حين سلب ملكه ووقع على إمائه النافقات الشيطان المعرف بالجسد. ومن الناس من رأى أن الضحّاك ذو الأفواه الذي تنازعت فيه الفرس والعرب من أي الفريقين هو …. ( يورد المسعودي ذكر قصة الضحّاك) و يقول وما ذكرناه من خبر الضحاك فالفرس لا يتناكرونه ولا أصحاب التواريخ القديمة ولا الحديثة. وبختم المسعودي باعطاء رأيه: وماقلنا عن الأكراد فالأشهر عند الناس والأصح من أنسابهم أنهم من ولد ربيعة بن نزار.
قال الزبيدي:الكرد جيل معروف وقبائل شتى والجمع أكراد قيل نسبهم كرد بن عمرو مزيقياء (يورد بيت شعر)
لعمرك ما الأكراد أو أبناء فارسٍ ….ولكنهم كردُ بن عَمرو بن عامرِ
ثم يورد قصة بيوراسب ( الضحّاك) ويضيف: قال شيخنا وقد ضعف هذا القول كثير من أهل الأنساب.
ومن مجمل كل ما كتب نجد أمرين مدهشين :
الأمر الأول :هو أن العرب المتعصبين لجنسهم بالفكر الذي كان سائدا منذ الف و مئتي عام والذي كان احدهم يعرف ليس نسبه فقط بل نسبه ونسب جواده أيضاً وهو شديد الاعتداد بهما قد أوجد المبررات كل المبررات للاكراد رغم اختلاف لغتهم ودينهم لكي يدخلوهم في ملكوت العروبة الذي لا يدخل اليه أحد بل اوغلوا اكثر و نسبوهم احيانا الى قريش اشرف بيوت العرب.
كما لا نجد أي نظرة سلبية عربية للاكراد بل كانت كتبهم تفيض غزلا بهم و بشجاعتهم و احترامهم للعهود باستثناء ما قيل عن القبائل التي كانت تمارس قطع الطرق والنهب في سهل شهرزور وقيل مثل هذا عن قبائل من العرب و قبائل من باقي الامم.
روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:جعل الله الغيرة عشرة أجزاء فتسعة منها في الأكراد وواحد في سائر الناس.
كما أطلق العرب على احدى قبائلهم القاطنه بجوار مكه لقب اكراد لانها تعيش بالجبال قيل ( همدان اكراد العرب ). و بذكر همدان اجد لدي فرصة ليس لها مجال اخر في بحثي لأمر على الجهد الذي قام به باحث يمني اسمه صالح السعيدي احصى به اسماء مناطق و قرى و عشائر يمنية و وجد لها كلها اسم مطابق عند الاكراد ابتداء من همدان التي تقابلها همذان التي من مناطقهم ميدي باليمن التي تقابلها ميديا ويسرد الباحث مئات الاسماء المشتركة بين اليمن و مناطق كردية كـ مرهبة طبوة غيمان مدار جهران هران جاش سلفا بيجان مسور العارة وهي كما يبدو اسماء صعبة التكرار مرتين الا بفعل فاعل.
الأمر الثاني : هو أن العربي الذي ينعت غيره من الأجناس بلقب الأعجمي أو العلج أو البربري أو الكافر؛ لم يستخدم اي من هذه الألفاظ مع الأكراد المجوس لكنه استخدمها مع الفرس المجوس فلم يطلق على الاكراد لقب كفار او اعاجم او مجوس بل اطلق عليهم اسم اكراد فقط وهو الاسم الذي يحبون ان يتسموا به.
و اقول : ان تاريخ الاكراد لم يكتبه احد و لم يهتم به احد قبل العرب و المسلمين وليس لدينا قبل ما كتبوه في كل كتب التاريخ سوى كلمة واحده هي كاردوخيين الذي ذكرها عابر سبيل هو زينفون حوالي عام 400 ق م و هي مثار اختلاف سنناقشه لاحقا، وان أي أي باحث الآن او سابقا ان اراد تأليف كتابا عن الاكراد سواء كان هذا الباحث عربيا او غربيا او كرديا فلا بد ان يعود لهذه المؤلفات العربية.
و إن اسم الأكراد أول ما نقرأه واضحاً وغير قابل للتأويل ان كان بحروفه الثلاث (كرد )او بحروفه الخمسة (اكراد) لا نجده سوى بهذه الكتب العربيه و منها انتقل الى باقي اللغات.
و ليس فقط في العهد الاسلامي بل منذ فجر التاريخ فان كل معلومات عن الاسلاف التي ينسب الكرد انفسهم اليها كالميديين و اللولوبيين و الكوتيين … الخ فمعلوماتنا عنهم جاءت رقيمات العراق و سوريا فقط فليس لدينا رقيمات ميدية او كوتية او لولوبية بل كل ما عرفناه عنهم هو مما كتبه العراقيون والسوريون القدماء.
اما ما يقال بخصوص ان الاكراد من الغجر او الزط او الاساوره فهذا كلام من لم يقرأ تاريخ هؤلاء لان تاريخهم مرصود من قبل المؤرخين العرب وقد كتبوا عن المذكورين ما يكفي لتعرف الى اين ذهبوا فمنهم من ذهب الى البصره او الى انطاكية او الى سوسة وقد اختلط قسم منهم بالعرب و قسم منهم بالأكراد
و ان كان الاصل الزطي و الغجري تهمة فهي تنال الجميع عربا و كرد.
المصدر: صفحة الكاتب والباحث ماهر حميد في فيسبوك