د. محمد لطفي: تسوية أم تسويات؟

الدكتور محمد لطفي

د. محمد لطفي: تسوية أم تسويات؟
 
زي بوست:
 
 
في البدء كان اتفاق المدن الثلاث الذي أفضى أخيراً لتسليم الزبداني، وترحيل ثوارها وسكانها للشمال السوري، ومن ثم تبع ذلك، وبشكل مشابه اتفاق تلو الآخر، أفضت جميعها لتسويات تم بموجبها إعادة مدن بحالها لسيطرة النظام، وترحيل المقاتلين وعوائلهم، ومن أراد الخروج معهم باتجاه إدلب وشمالي حلب.
 
 
كل ذلك تم بالتفاوض بين تركيا والمحتل الروسي، على أن النقطة الفارقة في مسار الأحداث كانت تلك التسوية التي تم بموجبها تسليم حلب الشرقية، وإخراج من تبقى من سكانها ومقاتليها، مقابل إخراج المحاصرين في الفوعة وكفريا الشيعيتين.
 
 
لقد تبين للجميع بعد ذلك أن اتفاقاً ما قد تم على صعيد إنهاء الأزمة السورية دولياً، بعد أن سعى كلا طرفيها ومنذ البداية لتدويلها.
 
 
فبعد سقوط حلب بوقت قصير تم، وبمشاركة الفصائل المنسحبة منها تدشين عملية درع الفرات، وتبع ذلك غصن الزيتون، بالتوازي مع تسليم درعا والغوطة، وبذلك، ضمنت تركيا قطع الطريق على قسد لإنشاء روچ آڤا الكبرى، فيما استعاد النظام سيطرته على كامل القطاع الجنوبي من سوريا.
 
 
ثم جاءت تطورات الحراك السياسي في أستانا، وذهب شمال حماة وجنوب إدلب ضحيةً على ما يبدو لاختلاف الروس والأتراك على تفسير بعض بنود اتفاقيات كانوا قد أبرموها فيما بينهم خلال المراحل السابقة.
 
 
بين هذا وذاك، كان الموقف الأميريكي يتأرجح ظاهراً وفق تغريدات ترامب، فيما بقي ثابتاً في السر عند نقطة إنهاء التوكيل المعطى لقوات سوريا الديموقراطية في إدارة شمال شرق سوريا والجزيرة.
 
 
والآن، وقد بدأت عملية نبع السلام، ووفقاً لنتائج الأيام الخمسة الأول منها، فإن سرعة التقدم التركي، ودراماتيكية التقهقر والانهزام الكوردي يوحيان بأن وراء الأكمة ما وراءها.
 
 
فسقوط كل من تل أبيض ورأس العين، وكل منهما يشكل أكبر تجمع سكاني في منطقته، تزامناً مع سحب الأمريكان لما تبقى من جنودهم، كل ذلك يوحي لعمليات تسليم أكثر منها لمعارك بقاء أو فناء، على الأقل من طرق قوات قسد.
 
 
ومن يتابع على الأرض، سيلاحظ دون أدنى شك أو ريبة، الانسحابات الكيفية التي تنفذها وحدات قسد، ولكن بالتدريج، من مواقعها المقابلة للشريط الحدودي.
 
 
إن هذه التطورات لتوحي وبشيء واحد فقط، ألا وهو قرب انتهاء العمليات القتالية بين ما عرف ومنذ ثماني سنوات بفصائل المعارضة السورية، وبين قوات النظام الحاكم في دمشق.
 
 
فعلام ستؤول إليه الأمور بعد انتهاء جولة القتال الأخيرة في الشمال السوري؟
إن المتابع للأحداث، ليستطيع استقراء اتفاق جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة على بقاء سورية موحدة على الخريطة السياسية العالمية، فيما ستقسم تلك البلد لمناطق نفوذ يديرها، وبالنيابة، عناصر يشغّلها الرابحون مما بات مؤخراً أصح لأن يكون حرباً أهليةً سيق السوريون لها جميعاً سوق النعاج.
 
 
ستنكفئ قسد في مثلث صغير بين الرقة والحسكة ودير الزور، بعد أن يتم تقليم مخالبها العسكرية بشكل مؤلم جراء نبع السلام، فيما ستجبر على إعادة الرقة ودير الزور والقامشلي للنظام، وطبعاً بإشراف روسي في الشمال وهيمنة إيرانية في الشرق.
 
 
سيتوسع نفوذ حكومة الإئتلاف السورية ليشمل مناطق نبع السلام، ولاحقاً شمالي إدلب، بعد أن يتم بشكل أو بآخر حل أو إنهاء جبهة النصرة وحكومتها المؤقتة، استعداداً لإنشاء مستوطنات على امتداد قرى ومدن الشمال السوري، لتوطين من سيتم ترحيله من اللاجئين السوريين في تركيا. وسيحتفظ الأتراك طبعاً بتواجد مدني وعسكري ملحوظ يضمن سيطرتهم على الأرض ومن عليها.
 
 
ستعاد منبج للنظام، لتتصل عن طريق تل رفعت بنبل والزهراء، فيما سيتمدد جيش النظام ليسيطر على المدن المشرفة على طريقي اللاذقية حلب، وحلب دمشق، بشكل يضمن سير قوافل المواصلات اللازمة لعملية إعادة البناء التي يسيل ومنذ الآن، لعاب الشركات الروسية والتركية والإيرانية، توقاً لحصد عائداتها.
 
 
عملياً، ستعود كل مراكز المحافظات السورية للنظام مجدداً، ويبقى وضع إدلب المدينة موضع تساؤل، ولن نستبعد أن يزيل النظام عنها صفة ( محافظة) بعد أن كان قد مهد لتعويضها بمنبج.
 
 
سيبقى الروس طويلاً، فهم لن يخرجوا إلا بطلب من حكومة شرعية جديدة سيعملون جاهدين على عدم إبصارها النور، فيما ستعاد العلاقات الاقتصادية أولاً بين الأتراك والنظام، فيما سيتأخر التطبيع السياسي بعض الشيء بانتظار ما سيسفر عنه ماراتون مسار المفاوضات السياسي الذي سيطيل النظام بأمده قدر توقه للبقاء.
 
 
ستدعو أمريكا كل الأطراف لضبط النفس، ثم لن تلبث أن تبارك كل الخطوات التي من شأنها بعث الاستقرار في ربوع البلد.
 
 
وخلال ذلك، سيعمل النظام على تقديم كل ما سيعاد إعماره على أنه عطية من عطاياه، فيما ستتواصل عملية ذبح خراف ( أمراء الحرب المسمّنة) ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم لضخها في عملية تعويم صورة قائد مسيرة التطوير والتحديث.
 
 
أما السوريون أنفسهم، فلن يتغير حالهم كثيراً، حيث ستتمدد ظاهرة التشبيح لتشمل كل بقعة في أرض الوطن، وسيتعاون على أكل أرزاقهم كل من شبيحة النظام وشبيحة الكورد وشبيحة الأتراك وشبيحة الروس والإيرانيين.
 
 
ولن يجد من هاجر من السوريين في بلده مأمناً للعودة، حيث سيستقر من لن يجبر على العودة في منفاه، فيما سيطر من سيرحل من ملجئه للتلظي بقية العمر في سعير حضن الوطن.
 
الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s