وافي بيرم: زهور العار
زي بوست:
صعد الشاب الباص وهو مرتبك، كان طويلاً وضخم الجثة، بوجه مسمر يبدو عليه مرافقة الشمس مدة طويلة، يمتلك لحية وشارباً متصلاً باللحية، شعر رأسه ليس بالخفيف ولا الكثيف، ومحمّص بالشمس أيضاً، عضلاته مفتولة من جراء كثرة استخدامها في العمل الشاق، لديه شحوم منتشرة بشكل عشوائي في باقي جسده، عند الحوض ومنطقة الكرش، مما يدل على أنه لا يمارس رياضة ما، قسمات وجهه حادة وقاطعة تدل على أنه حازم وغير فكاهي، ولديه عبوس لا يشوبه هرج.
إلا أنه كان محمر الوجه ومرتبك جداً بمحاولاته في إخفاء باقة الورد التي كان يحملها، باقة كبيرة لا تتسع داخل كيس، ولا يمكن إخفاء فضيحتها أمام البشرية، كان الباص ممتلئاً، والسائق مسرعاً ويتوقف فجأة.
أحس الشاب أن جميع من في الباص ينظرون نحوه، فاتجه بوجه محمر إلى خلفية الباص، وهو يحمل الباقة موجهاً الورد إلى الأسفل، هذه الحركة كانت بمثابة اصطناع عدم الاهتمام لما يحمل، في حين أنه كان يخاف على الورود من أن يتأثر تنسيقها أو أن تدمع إحدى ورقات الورد قبل وصولها إلى هدفها.
من حسن حظه أن وجد بعد هنيهة مكاناً بجانب فتاة فجلس بجانبها، ولضيق الكرسي ارتفعت الورود مرة أخرى إلى الأعلى، وبالصدفة نظرت فتاة من الأمام إلى الخلف، فظن الشاب أنها تنظر إليه، فباعد فوراً بين قدميه وأنزل الورد مرة أخرى إلى الأسفل.
كان وجهه متجهاً إلى الأمام وبصره مرتكز على الطريق دون أية رفة لجفن، من ينظر إليه يظن أنه هو السائق، ارتطم ساعد شاب بكتفه فلم يلتفت إليه مطلقاً، وحتى أنه لم يبتسم لاعتذاره، صرخت طفلة من مؤخرة الباص، أجبرت الجميع على النظر إلى ما يحصل، إلا أنه ظل متسمراً كتمثال حجري، وخدوده تزدتد احمراراً.
شاب ضخم يرتجف من أن يكتشفه أحد أنه واقع في الحب، شاب مع وردة يا للفضيحة ويا لعار القبيلة.
وصل إلى محطته، وقف بحزم وبنترة قوية، مستقيماً ومتجهماً ثم مشى بخطوات حسبها خطوات إلى مشنقة، ونزل وتنفس الصعداء.
ومن نفس المحطة صعدت امرأة ثلاثينية، تحمل في يدها (قصّ زريعة) كامل لورود التوليب، كانت تحتضنه وهي فرحة، وكأنها تتباهى أمام جميع من في الباص بما لديها، تتطلع في وجوه الجميع وتتفرسهم باحثة عن نظرة لا أعرف ما هي، إلا أنها لم تجد أحداً ينظر إليها، كان كل من في الباص يتابعون بصمت قيادة السائق اللعينة ويحاولون التمسك بأي شيء مخافة السقوط أو الاصطدام.
siepost زي بوست 