عبد الغني حمادة: احتلام وسط الزريبة
زي بوست:
لم أشعر بالسعادة مثلما تذوقتها في تلك الليلة، صوت أمي سلبني نشوة الحلم الممزوج بجميع أنواع المتعة.
( ياااااه ليتني أحلم بها كل ليلة )!!..
كنت آنذاك طالبا في الصف الثامن، أمي أيقظتني و أدارت ظهرها، فأسرعت الخطا إلى الحمام لأزيل آثار الجريمة اللزجة.
أحسست أن الحصة الأولى تعادل دهرا، لا تكاد تنقضي، فلدي اليوم ما أريد أن أقصه على زملاء الصف بتيه وافتخار، كيف لا وأنا الذي سبقتهم إلى سن البلوغ بأشواط، وأصبحت في مقام الرجال.
فغروا أفواههم وهم يشنفون آذانهم لكل حرف تنطق به شفتاي، وراحوا يكيلون لي تهما شتى:
– أنت تكذب، أنا أكبر منك بتسعة أشهر، ولم يحصل معي كما حصل معك.
– احلف برأس أبيك حتى نصدقك.
– وهل ينقصنا كذابون!!..
وبكل براءة:
– وحق المصحف، قسما بالله، هذا ما حدث معي ليلة أمس.
أشد المعجبين المدهوشين بالحديث كان عز الدين، تأبط ذراعي وطلب مني تفاصيل أكثر، ووعدني بهدية إن أخبرته باسم المرأة التي حلمت بها، وإلا سيفشي سري لمدرس التربية الدينية.
من سوء حظي أن اليوم التالي لدينا أول حصة ديانة.
إذا، أنا أمام احتمالين، إن حكيت له كل ما حدث معي في الحلم، سيفتضح أمر تلك المرأة، وقد تنشب مشاجرة لا يحلها إلا الله!!..
لا لأنني فعلت ما فعلت في المنام، بل لأنني أفشيت السر .
أما الاحتمال الثاني. فهو ألا أحكي له شيئا، وهذا يعني أنني سأفقد الهدية المعتبرة التي وعدني بها، عدا عن قطع النمورة، والسيكارات التي كنا ننفثها خلف مبنى المدرسة على حسابه.
وقعت في مأزق، إن حضرت درس الديانة، فالعقوبة أصعب عندي من فراق الوالدين من المدرس الشيخ( ع . هندي )، وأما إن غبت، فعقوبة الوالد لا أذاقها الله لبني آدم.
يارب السموات، كم كان أبي قاسيا شديدا!!.
غبت مرة في الصف الخامس ، لأنني رسمت خريطة الوطن العربي على دفتر الجغرافيا بدون لوائي عربستان واسكندرون.
أدخلني غرفة العنزات وقفل الباب من الداخل، ربطني على عمود القبو، وأنا نصف عار، صب علي الماء، وانهال علي بالخرطوم، (شبقني) أكثر من أربعين خرطوما، ثم تركني لصباح اليوم التالي مع العنزات، وحرمني من المصروف أسبوعا كاملا.
ولو لا شفقة أمي وزياراتها لي سرقة، بمغافلة أبي، لجننت في تلك الليلة.
وعدت عز الدين أن أحكي له كل شاردة وواردة عما حدث معي في تلك الليلة مكتوبا على الورق.
كيف خطرت ببالي تلك الخطة، من ألهمني أن أقول ذلك، لا أعرف!!..
ولكن من المؤكد أنه هو، دائما ينقذني من تلك المآزق، إنه أبو مرة صديقي اللدود، نعم إنه الشيطان صديق الملايين.
ظننت أن حلمي ليلة أمس سيتكرر، لم يكن مجرد ظن بقدر ما كان أمنية راجيا أن تتحقق كل ليلة.
أغمضت عيني، حاولت استجلاب تلك المرأة بكل تفاصيلها، أتقلب يمينا وشمالا، فيصعد الدم إلى رأسي، ثم يهبط إلى بين فخذي دون نتيجة ترجى.
في اليوم التالي استفاض مدرس الديانة في شرح موضوع الغسل من الجنابة.
وكان زملائي الطلبة ممن سمع بحكايتي، يغمز لي بعينه خلسة، بعيدا عن ناظري المدرس الذي لو رأى تلك الحركات بيننا لجلب آخرتنا ونحن على قيد الحياة!!..
حمدت الله أن الدرس مر دون خسائر تذكر.
المرأة التي جاءتني في الحلم، لم يكن وجهها جميلا، لكن جسدها فتك بي في تلك الليلة، كم كانت ممتعة، جعلت الدم يقذف مثل النوافير من أذني، ومن أصابع رجلي، ومن أماكن أخرى، نوافير من الدم بلون الحليب.
تلك المرأة، كانت زوجة مدير المدرسة آنذاك، لمحتها مرة واحدة، حين أرسلني المدير لبيته لأوصل الحليب الذي جلبه له أحد الطلاب.
حين فتحت الباب لأناولها وعاء الحليب، أشرقت الشمس من صدرها، تفتحت عناقيد المنثور من خديها، تناثرت الحناء من خصلات شعرها، وسال عسل كثير من زندها الأكثر بياضا من حليب السطل.
اختلط الخجل والفضول والجوع والعطش وارتفاع الحرارة واستراق النظر، وطغت رائحة الصابون المنبعثة من أصابعها على رائحة زريبة العنزات.
هكذا جاءت في الحلم، فجأة رأيتها عارية تنتظرني في الزريبة.
ليتني أعرف من أرسلها لي في تلك الليلة، لأقدم له امتناني وشكري، إلى آخر العمر .
في تلك الليلة جرى كل شي بيسر وسهولة، دونما عراقيل أو عقبات.
عز الدين يلاحقني، يريد تفاصيل ما حدث، ويلح علي مع تقديم إغراءات إضافية، عدا عن النمورة والسيكارات المفلترة، قدم لي علبة عطر، وموسى كباس بسبع طقات:
– هذه الموسى من صنع القرباط، والعطر سرقته من خزانة أبي.
ترددت كثيرا، فكتابة الحلم على الورق إدانة رسمية، ومستمسك علي يستخدمه عزو الملعون ضدي في أي وقت يشاء.
بعد أن طفح الكيل ونفد صبره من وعودي الكاذبة، استخدم معي لهجة تهديد صارمة:
– اسمع ، معك أربع وعشرون ساعة فقط لتنفيذ وعدك، وإلا …
– وإلا ماذا؟!!..
– لا تنس أنني أطعمتك سبع قطع نمورة، كل قطعة بفرنك، وأعطيتك ثلاث عشرة سيكارة ناعورة بستة فرنكات ونصف، وموسى الكباس بربع ليرة، وعلبة العطر بنصف ليرة ، و مجلة الموعد بنصف ليرة، يعني اعطيتك ما يعادل ليرتين تقريبا، أريد أن تعيدها لي، وإلا تعرف ماذا سيحدث!!….
– فتحت فمي مدهوشا…
تابع تهديده:
– كما قلت لك، نفذ وعدك، وإلا سأخبر أباك بأنك تدخن، وسأخبر مدير المدرسة بأنك حكيت لنا عما حصل معك في تلك الليلة.
وضعت نفسي في مأزق لا يحسد عليه إبليس اللعين.
فأن يخبر أبي بقصة التدخين، هذه لوحدها قضية لا حل لها إلا بالخرطوم، وبحبسي مع التيس والعنزات، عدا عن ثمن النمورة والعطر والموسى.
فكرت بالهروب إلى لبنان، ولكن أنى لي من أجرة الطريق!!.
( ياربي ، ماهذا الحظ ، بل ما هذا المأزق الذي أوقعت نفسي فيه )؟!!..
في الاجتماع الصباحي ، وبعد تحية العلم و ترديد النشيد الوطني، نظر الي عزو بلؤم، وهو يهز رأسه متوعدا، وكأنه يقول لي:
– اصمد إن كنت شجاعا!!..
نظرت إليه بانكسار، تذكرت بلحظة ما حدث في تلك الليلة، وضعت كتبي على الأرض المبللة بزخات المطر، رفع عزو يده مستأذنا المدير بكلمة، وما إن وصل إلى الدكة التي يقف عليها المدرسون والمدير، كانت قدماي تضربان مؤخرتي ، فيما نتف الطين تنقر رأسي وأذني، وبأسرع من كلب الصيد، وصلت إلى البيت، وأسرعت لأربط نفسي بعمود يتوسط زريبة العنزات!!..