خليل حمسورك يقترب من وجوه ومن أمكنة ليست طارئة
زي بوست:
لم يكن خليل حمسورك ( 1969 ) يتجاوز السابعة عشر من عمره حين تم اعتقاله في حلب بتهمة الانتماء إلى حزب معارض، و أقتيد على أثرها إلى دمشق ليقضي سبعة سنوات في سجن صيدنايا.
في هذا السجن أبدع حمسورك في الحرق على الخشب، بدأها على نحو متواضع ، و بأدوات متواضعة لا تتجاوز سيخاً معدنياً، وصناديق الخضار الخشبية ، فما كان البوتوغاز يشتعل لتحضير الطعام حتى يسرع حمسورك بأدواته البسيطة تلك ليبدأ بالرسم والحرق على الخشب بعد أن يكون قد قام بإحماء ذلك السيخ ، و لم تمض سنواته السبعة تلك إلا و حمسورك كان قد أنجز أكثر من ألف عمل كان يهديها لأصدقائه في السجن الذين بدورهم يهدونها لأهلهم حين كانوا يزورونهم ، بإستثناء عدة لوحات تم تسريبها وتوصيلها للفنان يوسف عبدلكي ليعرضها عام 1990 في باريس ضمن معرض جماعي و خاص بأعمال المعتقلين في سجن صيدنايا بدمشق.
و صحيح أن أدوات الرسم و الحرق على الخشب بسيطة جداً ، لكن الرسم و الحرق بحد ذاتهما فيهما من الصعوبة الكثير ، خاصة لدى من يريد أن يخرج عمله من بين يديه لوحة مكتملة و حاملة لمواصفاتها ، و خشية أن تتحول اللوحة إلى زخارف لا أكثر ، وخشية السقوط في الحرفة ، خاصة وأننا نعلم بأنها أقصد الحرق على الخشب كانت مهنة قديمة منها يقتات الأجداد الأولون خبزهم اليومي ، فحمسورك يدرك كل ذلك ، فمسيرته مع هذا النوع من الفن تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً ، و هذا ما جعله يضع أصابعه جميعها على سرها و مناخها وتوترها ، يقترب من هسيسها، ويسمع دقات قلبها ، يحكي لها و تحكي له ، ينتقلان معاً إلى خلق هدنة جميلة وعذبة بينها و بين النار الذي يحمله حمسورك ، و يحول تلك العداوة التاريخية بينهما أقصد بين النار والخشب ، إلى علاقة فيها من التصالح و التفاهم دون أن يبرز أحدهما عداوته بإتجاه الآخر ، فهذا التناقض الذي سعى حمسورك إلى كسره و إفناده وحده يكفي أن يمنح حمسورك خصوصية ، فكيف إذا كان يحمل في ذهنه كمّاً من البحث و الخلق لتتحول نتاجه إلى آليات ترتبط بطموحاته في خلق لوحة مكتملة و تقديمها للشارع التشكيلي بثقة ، فهو إبن بيئته و كثيراً مارسم بيوت سورية بطرازها الخاص والمميز ، و رسم حاراتها القديمة ، وطبيعتها بأشجارها و عصافيرها ، و رسم قصصاً من ذاكرتها الشعبية كمم و زين و تلك الأم الحاملة أبداً لصغيرها ، كما رسم وجوه أبنائها مختزلاً فيها تطور حركاته الفنية بتبايناته الحسية و ما ينتج من تداخلاتها غير البسيطة ، دون أن ينسى إسقاط ذلك الشعاع الوهمي من نقطة معينة و الصادرة عن عين عبر خط عمودي على عمله الفني.
فإذا أمعنا النظر في قائمة نتاجه ، فللوهلة الأولى قد نقول بأن حمسورك يعمل بروح الحرفي لا الفنان لدقة أشكاله و لقوة مقوماته الشكلية ، و لكن بفضل صفاته المحسوسة و بعيداً عن مقولات جاهزة ، مسبقة الصنع لا بد أن نقول و نقر بأن الفنان المستيقظ فيه دائماً هو الذي يبقى في حالة العوم الموحي في مدى فضاءاته و في حوافه أيضاً ، فأشكاله غير حيادية بل صارمة إلى حد الإيهام المبسط في هندسة مساحاته ، و يبدو واضحاً من خلال إطلاعنا على تجربته بأنه منخرط فيها حتى الثمالة ، و في مرحلة ما منها يعرض علينا أعمال كحي سوري قديم ، أو بيت سوري ، أو حارة سورية كلها تشير إلى عمق إحالاته التي تؤسس بؤرها من ذاكرته التي يتخذ منها نقطة الإرتكاز للسعي نحو أمكنة ليست طارئة ، نحو وجوه ليست طارئة ، و بأن مجيئه إلى النار و الخشب و قدرته على جمع هذا التناقض لم يكن بالصدفة ، فدخوله إلى هذا البيت أقصد الحرق على الخشب و الذي ينتمي إلى حارة الغرافيك و الحفر ، أشبه بدخوله إلى حلبة صراع بين الذئب و الغنم ، فكيف به أن يصالح بينهما و كل الرؤى تجتاح الأجفان بقلق و حيرة.
لخليل حمسورك تجربة غنية جداً مع الأطفال و على نحو أخص مع ذوي الإحتياجات الخاصة ، بدأها مع صديقه الفنان التشكيلي محمد عكلة عام 2000 و لم تنته بعد ، و سار بهم لقطف ما يقرب من ثلاثين جائزة بين محلية و عربية و عالمية ، و يكفي أن نردد عبارته الأشبه بوصية الصرخة حتى نفهم رأيه و رؤياه في الطفل والدخول بعمق إلى عوالمه كبوابة مهمة لمعرفة الحياة و فلسفتها:
” إذا كنت تريد أن تصبح شخصاً عميقاً بالمعنى الإنساني، وغير معقد، تعرف إلى الأطفال، وادخل إلى عوالمهم الخاصة، لتكتسب فلسفة الحياة بحق،”.
المصدر: الصدى نت – غريب ملا زلال