عبد الغني حمادة: الخال أبو رفعت

عبد الغني حمادة: الخال أبو رفعت

زي بوست:

على ذمة راوٍ بسند ضعيف، قال بأن الرفيق أبو رمضان شوهد يخرج من دار الخال وهو يمشي فرشخة مثل (أبي جنب).

بعد خدمة ثلاثين عاماً، تقاعد الخال أبو رفعت من الجيش، افتتح دكانا على قده، مع أنه يتقاضى راتبا شهريا تقاعديا، إلا أنه يعتبر نفسه عاطلا عن العمل، طالما أنه غير ملتزم بدوام محدد، في مكان أو زمان. 

الخال كان من النوع الصريح حتى الفجاجة، إضافة لطبعه النزق الذي اكتسبه من الخدمة العسكرية.

وكان في كل إجازة يقضيها بين أهله وأقاربه، سيد الجلسات، باعتباره مساعدا في الجيش، وخدمته في العاصمة، دمشق، إضافة لكونه يعرف اللغة العبرية، فقد كان جميع من يجالسه يعتبره مرجعا في السياسة الخارجية، والداخلية للدولة.

ولكي يحافظ على مكانته الاجتماعية بين الأهل والأقارب بعد تقاعده. فقد اتخذ دكانه المتواضع تجمعا لهواة الأخبار والحكايات.

ولأنه مغرم بالسياسة، وبأحوال البلد. فقد وضع ( تلفزيونا ) ملونا بدون( ستالايت ) الباهظ الثمن آنذاك، والذي لا يقتنيه إلا الأثرياء الأكثر تحررا، أو قليلو الدين، حسب التعبير التهكمي للخال أبو رفعت.

– والله لو عندي قدرة مالية، لركبت صحنين فضائيين، واحد عربي، وواحد أوروبي، نكاية بكم جميعا.

دكان خالي يحتوي على حاجيات بسيطة، ورغم تلك البساطة، فإنه صار أقرب إلى المضافة، حيث الاجتماعات عنده كانت في ثلاث محطات رئيسة، الأولى مع شروق الشمس، والثانية بعد العصر، والثالثة بعد العشاء.

لا يبخل الخال بالضيافة، من قهوة وشاي، إضافة للمتة، ذلك المشروب الذي تعود عليه أثناء خدمته العسكرية، فأدمن عليها، وكان سببا في انتشار شربها بين معارفه من غير المغرمين بها.

– والله يا ( أبو رفعت )، لازم تركب صحنا فضائيا، لنتابع الأخبار على قناة الجزيرة، وال b.b.c.

– فعلا، يا جماعة، الجزيرة أخبارها غير شكل.

ينفخ الخال متحسرا:

– اوووف وبس، والله لو عندي مصاري ما انتظرت دقيقة واحدة، العين بصيرة واليد قصيرة…. 

ينبري العجوز المتقاعد أبو عبد الله:

– قسما بالله، تلفزيونك ما فيه شيء، غير أرضنا الخضراء، وطلائع البعث، ودعايات الحفوضات.

– وخطابات الرئيس، قلها، لا تنحرج.

– ولماذا الإحراج؟. أنا لا أحب الزعماء العرب.

– كلهم؟. يعنى حتى!!…

– أعوذ بالله منك يا رجل.

يتملل الرفيق أبو رمضان، ويجود على الحاضرين بابتسامة صفراء.

صهر الخال، أيضا، كان له رأي، جعل أبو رمضان يتنحنح:

– حتى القرآن الكريم، ما في غير ربع ساعة في اليوم!!..

يضحك الخال، حتى تدمع عيناه:

– علي الحلال، لو زادوا زمن قراءة القرآن في التلفزيون ساعة، لكسدت تجارة التلفزيونات في البلد!!..

– صل ع النبي أبو رفعت.

– أنتم لا يعجبكم العجب ولا الصيام في رجب.

في فصل الشتاء، يتحول دكان الخال، لما يشبه المقهى، يعبق فيه دخان التبغ الحموي، والحمراء والأجنبي.

في ذلك اليوم الكانوني الماطر من عام أربعة وتسعين وتسعمئة وألف، حيث كان الجو باردا، يفرم الفولاذ.

ريح شمالية تلفح الوجوه، فجأة توقف البث التلفزيوني، وبدأ القرآن الكريم يتلى، فالتمعت العيون، واصفرت الوجوه،وتلجلجت الألسن داخل الأفواه، وحارت بالأسئلة:

– ماذا حدث؟.

– لا بد أن أمرا جللا قد وقع في البلد.

– ما في غير أبو رفعت يسأل عما جرى؟.

أسرع الخال إلى الهاتف:

جميع الموجودين يتابعون الخال بأفواه فاغرة، وهو يتكلم مع أحد أصدقائه في العاصمة.

الصمت سيد المكان في تلك اللحظات.

أكثر القلقين كان والد أمين الشعبة الحزبية أبو رمضان، الذي كان يتابع كل حرف، وكل هزة رأس من الخال.

أغلق الخال سماعة الهاتف، أشعل لفافة تبغ:

– مات باسل.

انتفض الرفيق أبو رمضان:

– أي باسل قصدك؟.

– وهل هناك غيره؟.

باسل حافظ أسد. 

سكت الخال ، ثم أردف:

– الله كريم، (الموت كاس ع كل الناس).

– لكنه الباسل يا أبو رفعت!!..

– الرسول مات يا رفيق …

– يعني، مانك زعلان؟!!.

تشاغل الخال بأشياء دكانه بصمت مطبق.

ابتلع الموجودون ثلاثة أرباع الشتائم، ثم بدؤوا ينفضون واحدا تلو الآخر، إلى أماكن متفرقة.

في اليوم التالي، لاحظ الخال أن رواد دكانه وعزوته، بدؤوا بالتناقص شيئا فشيئا، وذلك ما جعله يتضايق ويشعر بالوحدة والملل.

يعرف الخال، بأن البعض يخاف من كلمة قد يتفوه بها عن غير قصد، يفسرها الرفيق أبو رمضان بأنها ضد الدولة، فينفضه تقريرا من تحت ( الدست ) يجيب أجله.

شخص آخر، تعلل بجو الأربعينية القارس، حتى صهر الخال، أصبح يبتعد عن مجلس الخال، وحجته كما قالت له ابنته:

– صهرك يا أبي، صار يتابع الرياضة.

دقة ملاحظة الخال، وخبرته، جعلته يتقصى ما يدور في المجالس البعيدة عنه.

فقد وصله بطريقة غير مباشرة من صديقه العجوز المتقاعد، بأن أبا رمضان، ونقلا عن ابنه الرفيق أمين الشعبة الحزبية، قال:

– أبو رفعت عميل.

والدليل، أنه كان يخدم في فرع المعلومات، ويجيد اللغة العبرية.

تهمة جاءت عليه كالصاعقة، جعلت سمعته أسفل سافلين، تهمة ستودي به إلى الموت . شاعت أقاويل عديدة:

– المساعد أبو رفعت عميل …

– أنا كان قلبي حاسسني بأنه شغلة كبيرة…كم حذرتكم منه!!.. مذ رأيت وجهه الأصفر شككت به.

هذا ما كان يدور في مجالس القرية، بعيدا عن الخال، الذي دبر خطة، فاختلى بأبي رمضان في الدكان، وبال على شاربيه، ويقال، وعلى ذمة راو بسند ضعيف، فإن الخال استخدم عصا غليظة مع الرفيق (أبو رمضان).

ومنذ ذلك التاريخ، يلهث أولاد الخال من فرع أمني إلى آخر، باحثين عن خيط يوصلهم إلى خالي (أبو رفعت)، ولكن دون جدوى!!..

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s