جميل جرعتلي: جدّي أصبح شجرة!

جميل جرعتلي: جدّي أصبح شجرة!

زي بوست:

تغير المكان كثيراً، بين فرن محمود الحايك وما أصبح يسمى اليوم بالمستوصف، لقد تم نقل الموتى وإزالة معالم المقبرة القديمة بالجرافات ومعاول الأهالي الذين حملوا موتاهم في أكياس خيش ليعيدوا دفنهم في مقابر بعيدة عن المدينة.

الشهود يقولون إن بعض الموتى رفضوا الصعود إلى البولمانات وإخلاء المكان الذي قضوا فيه سنين طويلة وسط البلدة وهم يستمتعون بالضجة التي كانت تنشرها أقدام الأحياء وأحاديثهم وشجاراتهم، حتى إن بعض الموتى كانت مدافنهم على بعد أمتار من عائلاتهم وكانوا يفرحون وهم يشعرون بأبنائهم وأحفادهم عندما يذهبون إلى المدارس والأعمال كأن شيئاً لم يكن من الموت الذي تفاقم وامتد كثيرا في الحرب.

لقد تغير المكان كثيراً، والمقبرة صارت حديقة مع بعض الأكشاك المخصصة لبيع السجائر والمشروبات، أما الموتى الذين تمسكوا بالمكان فكان عليهم التحول إلى أشجار ومقاعد ونباتات راحت تشبّ بسرعة كبيرة بفعل الاغتذاء على تفسخ الأجساد والتربة الخصبة.. أما جدّي الذي رفض الصعود إلى الباص ومغادرة الزاوية الشمالية من المقبرة قرب فرن محمود الحايك الذي رحل منذ زمن بعيد أيضاً وكان اسمه بين مجموعات المتمردين على الترحيل القسري، فقد تحول إلى شجرة عالية على الأرجح أنها من نوع الأكاسيا.

الموتى الباقون في هذه المقبرة القديمة التي تحولت إلى حديقة ومجموعة قولبات لبيع الخضار وربطات الخبز، آخر ما تبقى من ذاكرة الموت في هذه البقعة!.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s