أمين عبد الهادي: ذاكرة الحجر
زي بوست:
أشعر هذا اليوم محايد
هل في الحرب أيّام محايدة؟!
هل في الحرب حب؟!
هل في الحرب سلام؟!
كيف يكتشف الموتى الحب
كيف نكتشف الحب في ساحة القتل؟!
لماذا أرى الأشياء ترتدي زِيَّ السلام ؟!
هل هذا نعش العالم فما عاد قادراً على الإيذاء؟!
من أين يأتي هذا السلام؟!
كل شيء نديّ وحنون
ولاأعلم إن كان ماءً او دماء
وكأن الشجر يغني البكاء
وكأنّ الزهر يرقص الجنون
والجبال قطن أبيض كفن أو تاج عروس
والغمام حمامٌ يصفق الألحان
جوقة عشق
قرآن وتراتيل وحب وسلام
وكل الأشياء تنحني احتراماً
لماذا كل هذا الوقار
هل أنا شهيد
ويتبدّى كل شيء بموسيقاه
كل شيء تسكنه الموسيقا
القتلة لايعرفون هذه الموسيقا
ليس لديهم زمن للموسيقا
اشمأزّ الوقت منهم وغادرهم غير آسف
ليس لديهم وقت
هم يحصون المال والخيانة ورؤوس
الشهداء
الموسيقا أجمل من المال
الموسيقا تشبه أمي
وتشبه حبيبتي
ومال القتلة ووقتهم يشبه الخيانة
الموسيقا تشبه الجبل الاخضر العملاق الوديع الحالم
الموسيقا تشبه الخروف الابيض الصغير
الموسيقا تشبه الوطن
الموسيقا تشبه الشهداء
تشبه أجسادنا وأرواحنا إذا شئنا
لايعرف القتلة والخونة ما السر بين الوطن والموسيقا!
بين الشهيد والموسيقا
القتلة والخونة لا يستطيعون نزع
الموسيقا من روح الشهيد
ولا من الخروف الأبيض الصغير
ولامن أرواحنا
ولامن الفطرة
ولا من السلام
السلام ليس حياداً
السلام كره القتلة
السلام حرب على حرب القتلة
لهذا أحبُّكِ
وأنا شغوف بجسدك قهوة الصباح
جسدك زهرة رقصت حتى سكرت حبّاً
وتحمّصت بالولع والحريّة والشوق
ولا يستطيع الرصاص قتلها
الزهرة أقوى من الرصاص
والابتسامة منك تمنحني الحياة
وأرضى، ثم أرضى أن تكون حياتي ثمن ابتسامتك
لا يستطيع الرصاص اغتيال الابتسامة
الابتسامة أكثر حيطةً من خطّة الاغتيال
كما تعرفين شهدنا ابتساماتٍ على وجوه الشهداء
لم يستطع الرصاص قتلها
لا تبكِي!! لا دموع.. لا رِثاء
جسدك حنين عتيق دائم لا يرتوي إلاّ باللقاء
طوبى للقاء الشهداء
لاتبكِي!! لا دموع.. لا رِثاء
جسدك الرحم الأم الذي حمل
والطفولة
والصبا
مشاغبات الحب والقبل
والقلم
والحلم
والكهل الذي مات هناك، وهنا، وهناك
سحقاً أو من ركل
والمرأة التي قضت هناك، وهنا، وهناك
تنتظر رجعة الزوج والبنت والولد
ولم يرجع أحد
لاتبكِي!! لا دموع.. لا رِثاء
لذلك أحبك أيتها البلاد
فكل شبر فيك له اسم شهيد أوفقيد أو وليد
أو اسم عويل أو اسم زفير أو اسم شهيق
أو ساق بلا اسم
أو أحد بلا اسم
أو اسم ولا رأس
أو رأس واسم وقلب وقدم
لاتبكِي.. لا دموع.. لا رِثاء
أيتها البلاد: على الأمهات التجلد والصبر
في حضرة الشهداء
لا يحب الشهداء الدموع
أيتها الأم البلاد وليس لنا من ذكريات في حضنك السريّ:
إلاّ خائفة
ومرتجفة
وراعفةً
دائماً كانت الحواجز تعبرنا ونعبرها
في الحلم
وفي الصحو
وبين الحلم وبين الصحو
وبين البين والبين
وبين الوسادة والمنام
وبين الحرف والشفة
وبين العين والقمر
وبين الجثة والقاتل
لاتبكِي!!! لا دموع.. ولا رِثاء
لهذا تعالوا نشبه الحجر
إن بكى لا يقول
تعالوا لنكن ذاكرة عينين
آخر ما شاهدت:
ابتسامة القمر
من تحت حجر
كل الأسماء والأحلام:
يشهدها الحجر
تعالوا لنكن ذاكرة الحجر
أول المستقبلين
وآخر المودّعين
حنون قلب الحجر
لا دموع .. لا رِثاء
تعالوا نشبه الحجر
لايشتكي
وإن بكى لايقول