بثينة هرماسي: أنا مها
زي بوست:
تبكيك السّماء
تبكيك الوديان
تبكيك الأرض
يبكيك الماء
لكن الذئاب لا تبكي أحدا ..
لن أقول نامي بسلام يا مَهَا
فالملائكة تحلّق ولا تنام
أنا مَهَا
أنا مَهَا
اِغضبي لي أيّتها السّماء
صُبّي غضبك
لم أكن أعلم أنّي راحلة ..
رحلت قبل ان أودّع الكرّاس
و الطبشور والطاولة
رحلت قبل أن أودّع المدرسة
رحلت قبل أن أوّدع
أختيّ.. أبي.. والمَامَا ..
رحلت قبل أن أُزهِر
يوما ما .. وأحْيى ..
أنا مَهَا
اِغضبي لي أيّتها السّماء
صُّبِّي غضبك
سمعتهم ذكروا اسمي
في النّشرة..
لأول مرة أشعر أنِّي مُهِمّة..
قال مذيع:
“تساقطات مطريّة
سجّلت في تونس ومحافظاتها
أمس الثلاثاء ..
أدّت إلى وفاة طفلة..
تبلغ من العمر
إحدى عشر سنة ..
بمنطقة أولاد مفدي
من معتمدية فرنانة
ولاية جندوبة ..”
أنا مَهَا…اِغضبي لي أيّتها السّماء
صُبّي غضبك
أنا مَهَا ذات الإحدى عشر سنة
“أرنو الى الدنيا بعين حالمة”
جسم صغير..
عجز عن المقاومة..
جسم صغير..
جرفه الماء..
حملته الرّياح العاتية
والأمطار الغزيرة الهاطلة …
أنا مَهَا
اِغضبي لي أيّتها السّماء
صُبِّي غضبك
أنا التي بِقَرْيَتِي المنسيّة
كنت أعيش ولا أحيى
أنا لم تغترفني الأودية ..
أنا لم يغرقني حقّا الماء ..
أنا قتلني مسؤول …
انا قتلني نوّاب شعب ..
رئيس .. و وزراء ..
اِغتالتني الأيادي الآثمة
اِغتالني أصحاب الكراسي ..
وكلّ الخونة
أنا اِغتالتني الذئاب …
اِغتالني ذئبهم ..
مع ذئبك أنت..
أنا مَهَا
اِغضبي لي أيّتها السّماء
صُبِّي غضبك
أنا قاومت ..
مددت يدي..
صرخت
حين كان يَجْتَرعني الماء ..
وتَبتلِعني أرضكم الجدباء ..
هل بلغكم الصّدى؟!
حين كان الوادي يلقمني
وأنا أغوص وأطفو ..
وأنا بأحضان المياه الباردة
حين كان الوادي يلتهمني
أنا لم أصرخ النجدة..
كنت أصرخ فقط هذه الأسئلة:
– أيّتها الذئاب
هل حقّا سأدخل الجنة؟
– أيّتها الذئاب
هل حقّا سأصبح عصفور جنّة؟
و يوم الحشر سأسقي أبي وأمّي الماء؟
– أيّتها الذئاب هل في الجنّة بيتنا قريب من المدرسة؟
– هل حقّا هناك يحقّ لي أن أستنير وأتعلّم؟
– و هل حقّا هناك يحقّ لي أن أصبح
طبيبة .. أستاذة .. او معلمّة؟
– و هل حقّا هناك يحقُ لي أن أعيش و أحيى؟ …
أنا مَهَا
اِغضبي لي أيتها السّماء
صُبّي غضبك
وابكيني بسخاء
حين غادرت يوم الثلاثاء
كانت لي أمنية…
أمنية واحدة ..
وددت أن ترقص الشّمس للمطر
تحتفي بي ..
تزفّني للذئب و أنا راحلة …
لكنّ الذئاب ما عادت تعبأ لنا..
لم تعد تقيم أعراسها ..
حين تهطل السّماء دموعا وتأخذنا …
فتُشرق أقواس قزح بقَرْيَتِي
وترقص لها الشمس …
هل سترقص الشمس في الجنة .. لأحيى …!