ناصر ناصر: دين قديم
زي بوست:
توفيت أمي صباح هذا اليوم و المعزون توافدوا زرافات زرافات، جلس قليلا مع الناس وعندما قام لينصرف اقترب مني و قال: ثمة دين قديم بيننا.
طلبت من ابني أخذ مكاني في السرادق ومشيت مع سمان حارتنا الأشهر (أبو راشد) إلى أن ابتعدنا.
اخترت مكانا لا يرانا فيه أحد فيما كنت أرى الداخلين و الخارجين معاً، رحت أنظر نحو ساعتي – لأشعره بسماجة مطلبه – ونحو السرادق خشية أن يأتي أحد الوجهاء ويذهب دون أن أسلم عليه.
رجل قصير القامة أشيب الشعر، ضاحك العينين دائما لدرجة كنت أظنه – في طفولتي و مطلع شبابي – مخلوقا من عالم آخر فصوته خافت دائما رغم استفزازات المشترين التي لا تكاد تنتهي.
قال وقد لاحظ ضجري وتأففي: لن نتأخر .. هما كلمتان فقط ، قلت: تفضل. قال وهو ينظر مباشرة في عيني و دون أن يرمش جفنه – للمرة الأولى و منذ أن عرفته ووعيت وجوده يتحول أبو راشد إلى عملاق أمامي رغم أن طوله لا يزيد عن مائة و ستين سنتيمتر – : أتذكر يوم أتيتني منذ ثلاث سنوات وطلبت مني عدم منح والدتك ما تحتاجه من مواد غذائية ومنظفات.
كاد قلبي يسقط بين قدمي وهو يذكرني بعمل لا أريد لأحد في الدنيا أن يعرفه.قلت وأنا أزدرد ريقي بصعوبة و أتلعثم في الكلام: نعم أذكر. قال: تابعت منح والدتك كل ما تريد من المواد، و كنت أجلب لها الأشياء التي لا تتواجد عندي وأرسلها إليها، قلت لها ابنك يسدد لي ثمنها بانتظام فاطلبي كل ما تريدين.
راحت الأفكار والهواجس تدور في رأسي، حاولت تفسير سلوك الرجل في إخفاء طلبي عن أمي ولماذا يحدثني الآن، لعله يريد استرداد نقوده، ثم ما أدراني أنه صادق، لعله كاذب.
أخرجني أبو راشد من حيرتي وارتباكي، قال: جئت لأسترد ديني، لا تخف لا أريد نقوداً رغم أنني قد دونت و بكل دقة أسماء وأسعار المواد التي أخذتها طيلة هذه السنوات.
توقفت أمام السرادق سيارة فخمة نظرنا – أنا و هو – ناحيتها، هي سيارة رفيق دراستي (طارق) وقد أصبح مساعداً لوزير الزراعة جاء لتعزيتي، شعرت لحظتها بالحنق على أبي راشد وتمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعه أو يذهب ويتركني أتابع أيام العزاء بسلام.
قال و قد لاحظ انزعاجي: تريد الذهاب.. أعرف. قلت محاولا قدر الإمكان ضبط أعصابي والظهور بمظهر الرجل المهذب: نعم أرجوك.نظر إلي ثم أطلق كتلة كبيرة من البصاق غسلت وجهي كله. قال و هو يغادر المكان: قد استعدت الآن كل ما كان لي بذمتك.