جهاد الدين رمضان: حبوب منع الفهم *

جهاد الدين رمضان: حبوب منع الفهم * 

زي بوست:

  يزعم بعض الكسالى في مدرستي الابتدائية أن هناك حبوباً تساعدهم على الفهم، و هي حبوب الشوكولاتة الملبسة بطبقة من السكر الملون وبحجم و شكل حبة “الأسبرين”، هذه الحبوب تتوفر في معظم البقاليات والمحلات تحت الاسم التجاري “سميري” الذي أطلقته الشركة السورية المنتجة على هذه الحلوى، حتى الباعة المتجولون الذين يحضرون لبيعنا الملذات عند الانصراف من المدرسة، تتوفر عندهم و تباع في صرر من الورق الممزق من الكتب و الدفاتر التي نتبرع بها لهم بود، و ذلك طمعاً في زيادة حصتنا من البيع. نشتريها كلنا (الكسالى و المجتهدين) بكثرة ونقدم على أكلها بشراهة فتسبب لنا الإسهال بدلاً من زيادة الفهم، و مع ذلك نحب أكلها و لا نتوقف عن شرائها لأنها حلوة لذيذة الطعم. 

  ساهم الأهالي أيضاً في تكريس هذا الزعم – من أنها تقوي الفهم – بإطلاقهم عليها ذات الاسم “حبوب الفهم” في عهد طفولتي، و ربما ظلت هذه التسمية مرافقة لها حتى اليوم مع شيوع اسمها التجاري في سوريا الأمس، و قد أقنعت أولادي في صغرهم بهذا الاسم، و إلى اليوم يأكلون منها لمحاولة فهم قواعد اللغة الألمانية العسيرة الحفظ . 

أذكر من طفولتي البعيدة أيضاً احتفاظ أمي “بوسام الأسرة” بين مقتنياتها العزيزة عليها، هذا الوسام من البرونز المطلي بطبقة من الفضة كانت تمنحه الدولة للوالدين اللذين ينجبان عدداً كبيراً من الأولاد (عائلتي مكونة من ثمان أولاد) تشجيعاً لهما على زيادة النسل، كنت أغبط حامل الوسام عندما يصعد باص النقل الداخلي و لا يقطع بيليت (تذكرة) من الجابي، يمر بجانبه و ينظر إليه بعجرفة و صلف قائلاً بصوت عالٍ مسموع: “وسام”. 

  ثم انقلبت الآية في مطلع شبابي، وصارت حكومتنا الرشيدة تحثنا على ترشيد النسل، بالتوازي مع خطط ترشيد الإنفاق وتضييق الخناق على المواطن الصبور، صارت منظمات الأسرة و إتحاد النساء و شبيبة الثورة توزع على المتزوجات “حبوب منع الحمل” بالمجان و لوجه الله، و قيل أيضاً في وقتها لا ضير من تناولها من قبل العازبات، فهي تساعد على تنظيم الدورة الشهرية إلى جانب منع الحمل، و بهذه الحبوب المجانية نظّمتْ الدولةُ الأسرةَ السورية السعيدة، و استغنت عن محاضرات التوعية بمخاطر زيادة النسل على الدولة و الأفراد، بالتوازي مع غض النظر عن مخاطر تناول الحبوب بشكل يومي، و اعتبار آثارها الجانبية محدودة التأثير و لا تشكل أي خطر قد يخطر على بال المواطن المطيع. 

  لا أعرف ماذا حلَّ في بلادي منذ أن هجرتها مكرهاً في نهاية عام ٢٠١٢ ، و لا أعرف ما إذا كانت تلك الحبوب متوفرة فيها بعد، و لا أعرف كيف يتدبر أهلي فيها أمور معيشتهم في ظل هذه الحرب، و هذا الشحّ، و كل أصناف المنع : 

ممنوع على أخي أن يزور ابنه في الريف المتاخم لمدينته، و ممنوع على ابن عمي زيارة أمه في مشفى المدينة، وممنوع على الزوجة زيارة أهلها في الجنوب، و ممنوع على أبن “منبج” العودة إليها إلا بإذن و تصريح و كفيل، و ممنوع على أبن “عفرين” قطاف زيتون الكرم، و على ابن “كفر تخاريم” دفع الجزية في القرن الواحد والعشرين عن كل حبة زيتون، يختفي المازوت والغاز و البنزين و الخبز دون أن يفهم المواطن لماذا و كيف، و تصبح البطاقة الذكية أفهم منه و أهمّ، و فوق هذا و ذاك ممنوع على السوري أن يحتجّ حتى في الحج، بينما إسرائيل ترى كل هذا الخراب و الضيق والحريق، و تصبّ عليه الزيت بكل طيب خاطر و كرَم و فرح و سرور، مجاناً و الله. 

بالله عليكم  هل توزع حكومتنا الرشيدة على المواطن المحتار حبوب منع الفهم؟!

جهاد الدين رمضان 

في فيينا ٨ تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٩ 

*النص من مذكراتي و أحداث اليوم ، والصورة المرفقة منقولة من محرك البحث غوغل. 

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s