وافي بيرم: امتلاء

وافي بيرم: امتلاء

زي بوست:

أحب أن أجلس وحيداً في كرسي الحافلة، وأن تكون الحافلة ممتلئة عدا الكرسي المجاور لي، أنتظر ظهور أنثى لتجلس بجانبي، أعرف أنه لا فائدة من الأمر ولكن ما يحصل هو أني أقيم علاقات مع كل من تجلس بجانبي، دون أن أكلمها أو أنظر إليها، كل ما عليها فعله هو الجلوس بجانبي وأبدأ أنا من تلقاء نفسي بتخيل السيناريوهات.

كيف سأقابلها في أول لقاء وكيف سيكون طعم القبلة الأولى؟ وكيف سنكون في صالة السينما المعتمة، وكيف سأشرب نبيذها وسوائلها، أستكشف ملمس جلدها ورائحة رقبتها، وكيف سنمضي الليلة كاملة في سرير يتسع لشخصين ويضيق على شخص لوحده.

حاولت كثيرا في السابق تعلم لغة الطيور أو أن أكلم الحيوانات، أو أفهم وشوشات أسراب النحل، ولكني اكتشفت أنني لا أمتلك تلك الموهبة، إلا أني أكتشفت موهبتي من خلال تحدثي مع المؤخرات والأعضاء، نتحدث سوية ومطولاً، نتبادل النكات البذيئة والشتائم، نتكلم في أمور سياسية ومشاكل نفسية أعاني منها وعن ما تتعرض له هي من تحرشات وملامسات، تثيرني أحاديثها في فضح أسرار صاحبتها.

أعرف نفسي كم أنا فضولي، مع أني لا أحب الفضائح ولكنني استمتع بسماع القصص الجنسية الفضائحية التي أجمعها وأخبئها داخل صندوق في خشبي نسيه أحد القراصنة مرة عندي.

استقل الحافلة رجل خمسيني وجلس بجانبي في المكان الوحيد الفارغ، سابقاً كنت لا أعرف شيئا عن الطريق ولا المناظر التي تمر سريعاً كما تمضي الحياة، ولا أذكر شيئاً عن الركاب، كل ما أراه هو عوالم افتراضية يعرضها علي هاتفي، ثم أقلعت عن هذه العادة وأعدت علاقتي بالأشياء الملموسة، كان وجه الخمسيني بارداً جامداً كوجه هذا العالم يحمل في كل تغضينة شتيمة، جدياً لدرجة مضحكة، لا أستطيع شخصياً أن أكون جدياً إلا في حالات سيطرتي على غضبي التي أفشل فيها غالباً.

ترك الخمسيني مكانه ونزل في موقفه، ثم صعدت الحافلة أنثى ممتلئة، ليست بدينة ولا تمت للبدانة بصِلة، كانت ممتلئة كاملة، طويلة بطول ممتلئ، ساقاها ممتلئتان، أصابعها ممتلئة، أردافها ممتلئة، صدرها ممتلئ بفرح، زنودها ممتلئة، شفتيها، شعرها، خدودها، أظافرها، ابتسامتها، ضحكاتها، هاتفها … ممتلئة بالمنحنيات، ومنحنياتها ممتلئة.

جلست بجانبي وبقي فراغ بين فخذي وفخذها يتسع لأربع أصابع ممتلئة، إلا أني بدأت أشعر بحرارة تنبعث منها وتصيب فخذي، حرارة ممتلئة أيضاً، ومع تحرك السيارة واهتزازاتها، التصق فخذها بفخذي، احترق فخذي وكأني أوسم بحديد محمي، لم أستطع سحب فخذي وفي نفس الوقت لم أستطع الصراخ، ثم أصبح الحرق لذيذاً، وكأنه نشوة الوسم برمز النصر والبطولة والعبودية.

تحدثت مع صدرها وضحكنا على اهتزازه مع اهتزازات السيارة، ثم تدخلت مؤخرتها وصارت تحكي لنا سعادتها أثناء استحمام صاحبتها أمام المرآة، ثم حضرت أصابعها وصارت تحدثنا همساً عن جمال طريقة استمنائها.

أصبح  الدخان كثيفاً بفعل احتراق فخذي من حرارتها الملتصقة بي، فتركت الحافلة ونزلت قبل أن أتحول إلى سيجارة ويشعً رأسي كجمر.

نظرتُ بوجهي المنعكس على زجاج المحلات، أصبحت هزيلاً نحيفاً شاحباً.. لحقت الحافلة بنظري كان ينزل منها شاب أيضاً نزل نحيفاً هزيلاً، السارقة .. إنها تسرق جميع الامتلاءات، لم تترك شيئاً ممتلئاً في طريقها، إلا وسحبته منه بسهولة، كل الأشجار والشوارع والسيارات أصبحت نحيفة هزيلة، قبل أن تغيب الحافلة كانت بدأت تفقد امتلاءها أيضاً ومنحنياتها ثم اختفت، هذا العالم أصبح في خطر محدق وسيكون هزيلاً نحيفاً وتتحول هذه الكرة الأرضية إلى خيط بلا انحناء إن لم تتوقف هذه  الممتلئة عن أفعالها.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s