أمين عبد الهادي: وعليها حمامة
زي بوست:
في يومٍ من الأيّام كنت فتىً
وكان لي هواية جمع الكلمات الجريحة
ممّا يسقط من الطفل والمرأة والرجل
ممن يعيش معي في قفص الوطن
وأجمع الكلمات الذّابلة
من على تراب الشّفاه
ومن أيّ شيءٍ يرتعش أو ينكمش
ومن دواعي هوايتي،
أن أحمل باليد اليسرى ورقة
وباليد اليمنى قلماً
وأستعير عينيّ صقر
وأذنيّ خُفَّاش
وأرجل فهد
لأصطاد الكلمات في حارات البلاد
وفي لحظةٍ خائفةٍ هاربةٍ من اللغة
أحاط بي رجال أمن البحث عن الكلمات اللئيمة
يبحثون عن الكلمات
على الشّفاه
وفي الحناجر
على جسد الورقة
وعلى فم القلم
وعلى نهايات أغصان الأصابع الّتي جفّت خوفاً
يبحثون عن الكلمات المارقة التي تغيّر التاريخ
يبحثون في أجسادنا الّتي لاتساوي شيئا
داهمني المصير
فصار القلم غصناً
وصارت الورقة بذور حُبٍّ بيضاء
ألقيت بهما في خرابة قديمة
ونزل مطرٌ غزير محا عنّي الكلمات الجميلة والمستغيثة والكليمة
وجاءت الريح وكنست رجال البحث عن الكلمات المتّهمة
كنتُ فتيّاً
وكنتُ أنسى الطعام
ولا أنسى البحث عن الكلمات المهانة
أنثر الحَبَّ في باحة صدري
لتأتي طيور الكلمات الحائرة والخائرة والعاشقة
ولازلتُ أذكر مكان وزمان الخرابة العتيقة
حيث زرعتُ الورقة والقلم
وكلما ذهبت للزيارة
أجد حصيرة عشبٍ فَرِح
ودالية عنبٍ وعليها حمامة
* اللوحة للفنان التشكيلي اليمني الراحل عبد الجبار نعمان