التمترس الطائفي وسلبياته في أزمات المجتمع السوري

التمترس الطائفي وسلبياته في أزمات المجتمع السوري

زي بوست: أحمد منصور

لا وجود لهوية وطنية ولا يمكن توطيد المواطنة وحقوقها في حضرة لبوس الهواوي العابرة عنها.

وهنا يوجد اقتباس للعالم (( علي الوردي )) يقول فيه:《لقد ضعفت نزعة التدين في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية حيث صاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد وهنا موضع العجب !!!.》

استناداً إلى ذلك أكتب بأنه لا يمكن الخوض في نقاشات أو لقاءات، تتناول صبغتها الجامعة مفاهيم وقيم تعني لنا الكثير للوصول إلى دولة القانون والعدالة والحريات جماعات وأفراد، والتي تمنح لنفسها عناوين من شأنها الحث الدؤوب على التصميم للوصول إلى مجتمع ومؤسسات مهامها وواجبها احترام الديمقراطية، وبناء الأوطان، وصون الحريات، في ظل تمترس جماعات أو أفرادٍ ما، خلف هويتهم الضيقة في بلد مثل سوريا، هويته الوطنية مُختطفة ومُغيب فضائها العمومي؛ نعم هناك فهم حول طبيعة الهواجس والمخاوف التي تتملك كافة تلك الهواوي المتنوعة ( سني، علوي، مسيحي، دُرزي، كوردي، آشوري، …. إلخ.

ومن المؤكد أيضاً أن جميعهم لهم احترامهم وحقوقهم المُصانة في دولة المواطنة والحقوق النافذة )، ولكن إذا كان هناك رغبة ما في التأكيد على المرجعية التاريخية، والموضوعية لأدوار تلك الهواوي في بناء المجتمع، فأن التأسيس الماضي والحاضر والمستقبلي لأي مجتمع يتوجب العبور عن تلك الهواوي وتعبيراتها الضيقة، والخوض بدلاً عن ذلك في إعلاء نسبة الانتماء للهوية السورية فقط كتعبير صريح ووحيد قادر، أن يعبُر بنا إلى دولة الحقوق والمساواة العادلة، وهنا ينحصر الحديث عن المجتمع السوري ووحدة أراضيه، والتحول من عمق اللا هوية والأسس التي من المفترض الطبيعي تواجدها ، من أجل أن تحدد مبادئ ومفاهيم وقيم بلدنا والإنسان المسلوبة حياته وحقوقه ومستقبله، لتكون الركيزة الأساسية للبدء في عمِّار وإعمار الإنسان والبلد، والجهوز للإنتقال إلى الفضاء العمومي للهوية الوطنية، ذلك الفضاء المنتج لمبادئ وأسس قوامها إحترام كل تلك الهواوي، بدون منح أي امتياز أو تمايز أو تمييز لهوية ما على حساب باقي المكونات والتكوينات، وعبورها إلى الهوية الإنسانية وتعابيرها المُصانة عبر حقوق المواطنة، والمشاركة في تقرير كما صياغة المصير نحو اوضاع معيشية وحياة أفضل.

إذاً من المُفترض الضروري هنا العمل وفق آفاق منفتحة وليست منغلقة، كما حدث سابقاً من لقاءات ومؤتمرات، إن جدلية التعايش الصحي والتشارك في حق تقرير المصير وصياغة شكل إدارة الدولة والمجتمع والمساهمة فيه، يحتاج إلى شكل مختلف ومغاير لما حدث في الأمس القريب والبعيد، أن الدفع نحو فك الشيفرة التراكمية حول انعدام الثقة، وإلغاء فكرة القبول بالآخر على مضض، والوصول إلى اتفاق التعايش لتلك الهواوي مع بعضها البعض، على مبادئ الوفاق والتوافق ومشاركة المصالح فيما بينها، لتكون بديلاً صحياً عن كل تلك التراكمات أي المظلوميات الاجتماعية المتضخمة، والناجمة عن دهور وقرون وعقود كانت فيها كل تلك الشعوب 《جماعات وأفراد》، ترزح تحت ظلامية الاستبداد، والديكتاتوريات المتعاقبة والتي وجدت فيها عقلية النظام السوري وسيلة وسلاح استطاع من خلاله تثبيت أركان حكمه وغطرسته، وما نتج عنها من تأخر وجهل وفقر وقهر وإقصاء، مرجعيته رغبة تلك الديكتاتوريات وضع كامل المجتمعات ضمن كينونة تضارب وتناقض المصالح فيما بينها؛ إضافة إلى ديمومة التخبط والإضطراب الاجتماعي فيما بينها، كل ذلك أدى عند البعض الكثير نُخب ومثقفين وعموم، إلى ترسيخ مفهوم وجود عداء مُبطن داخلها بين بعضها البعض والأغلب تعامل مع بعضه البعض بما يسمى “‘ التقية “‘ وهذا ظهر سريعاً في طريقة انقسام المجتمع الحاد بين مؤيد ورافض لكل وسائل النظام العنفية المستخدمة في موجهة الانفجار المجتمعي، ليبقى ذلك السلاح الخفي مستمر على رقاب عموم المجتمع في صياغة أماكن تموضعه واصطفافاته المتخندقة ضمن كينونات متحزبة دينياً ومذهبياً وعرقياً … إلخ، من خلال تخليق عدو وهمي الهدف منه إبقاء فتيل الإنقسام والتمييز والاحتراب قائم فيما بينها، إضافة إلى تراكم مظلومية منح الامتيازات والتمايز الوهمي لمكون على الآخر (( اجتماعياً، اقتصادياً، تعليمياً، خدمياً، إدارياً، …. إلخ ))، وهذا وحده كافي حتى تتضخم تلك المظلوميات، وتتراكم حالة العداء الخفي في ظل وجود قوة الإستبداد والقهر، وتصاعد الخط البياني لحالات الترقب وتصيد البعض للجميع والكثير للقليل وهنا يكمُن أحد الأجزاء المؤثرة في عمق الكارثة السورية، ووفق هذا الإطار المُحاط في جزئية رئيسية من قوام الصراع الحاصل في سوريا أي محاولات قوقعة المكونات والتكوينات حول ذاتها متدرعة بحزمة من المخاوف وفقدان الثقة، وكيف يفكر البعض في استغلال وجود الحرب والفوضى من أجل تحقيق مكاسب وأدوار خاصة وضيقة؛ إذاً لا بّّد من وجود لتعابير دائمة وجامعة، تستند على الحرص والضرورة في الوصول إلى توافقات وطنية أساسها تشارك المصالح المصيرية بين المكونات والتكوينات بغض النظر عن الانتماء العرقي، الديني، المذهبي، والإثني والعشائري والقبلي … إلخ.

ضمن هذا التصور أعتقد أنه من الجيد أن يكون هناك لقاء دائم يجمع أقطاب المكونات والتكوينات السورية، مُدركين في ذلك أن أي لقاء، مؤتمر، منتدى، ندوات اجتماعية، سياسية وكذلك أيَّ حراك آخر عنوانه ذو طابع طائفي، ديني، عرقي، مذهبي، هي لقاءات عابرة للهوية الوطنية، ومجرد محطات عابرة يستثمر فيها وكلاء الحرب وتجارها فرص تواجدهم، متجاوزين في ذلك المفاهيم والقيم التي سبق ذكرها حتى لو تم عنونة وتدوين صفحاتهم فيها من الواضح أنها بالنسبة إليهم هي مجرد عناوين تستخدم دريئة عند الحاجة أن تلك العقليات بأدواتها المُتحركة وسط الكارثة السورية، تُدرك أن ما تقوم فيه يدخل في وظيفة إدارة استمرار الصراع، وأبعادها تحمل سمة الاستغلال والاستثمار في الفوضى الحاصلة في بلدان مغايرة مثال ( سوريا، العراق، اللبنان )، إذاً فكيف يمكن تبرير غير ذلك، والمجتمع السوري يعاني من انقسام وشرخ حاد فيما بينه وعلى كافة الاتجاهات، ويُضاف لها الحساسية المتضخمة ومصدرها التخوف وعدم الثقة بالمكون أو التكوين الآخر.

وفي النهاية أعتقد أن الحامل الرئيسي لتلك الطروحات هم أصحاب المشاريع النفعية والضيقة، والبعيدة عن المصلحة السورية، وتخدم مصالح آنية وتدميرية استغلالية يبحث أصحابها عن فرص دائمة تعيد تموضعهم في ساحة الصراع الحاصلة، مما يضمن لهم ديمومة الظهور والتمظهر وتدوير أدوارهم التي تؤمن لهم زيادة في المكتسبات على الأقل السياسية، وبالمقابل هناك من يستغل ذلك ويمنح الغطاء المُبرر للمستثمرين في إطالة فترات الفوضى والحرب، وهذا يشمل أمراء وتجار الحرب واللاعب الأقليمي والدولي.
فرنسا – بتاريخ 2019 / 11 / 27

*جميع المقالات تعبّر عن رأي كتابها ولا يتبنى موقع زي بوست تلك الآراء

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s