ماهر حميد: مدائن صالح والملك الذي يحب شعبه!
زي بوست:
قراءتي لنقوش مدينة بنيت لكي تزول،
بقدر ما نقف صغاراً أمام روعة الهندسة النبطية الآرامية، وبقدر ما يمكن اكتشافه من نقوش المقابر بما يوحي من تسامح ديني، حيث نجد السماوي مع الوثني كما نقرأ اسماء الهة مختلفة، بما يوحي أن كل شخص كان يعبد الإله الذي يريد وليس ملزم بإله المدينة،
وبقدر ما نجد من دور للمرأة حيث نجد مقابر سجلت باسم نساء.
وبقدر ما نجد من عدم تعصب عرقي اذا نقرأ اسم شخص بالعبري واسم والده البدوي أو شخص بالآرامي واسم ابنه بالعربي أو اسماً لإغريقي واسم ابيه آرامي.
وبقدر ما نجد من خروج على أعراف العرب، إذا نادرا ما نجد كنية زوج تتوافق مع كنية زوجته، ما يدل على الخروج عن عادة زواج أبناء العمومة.
بعد كل هذا التطور المعماري والاجتماعي والديني نجد اسم الملك الحارث(الذي يحب شعبه) الحارث الذي حكم حوالي 50 سنة ولم ينزل عن الكرسي سوى إلى القبر مثل سابقيه ولاحقيه، وجعل كل شيئ منحة ملكيّة حتى حبه لشعبه، إذا ليس من حق الشعب أن يحب الملك فقط، عليه أن يطيعه ويخشاه.
ما يلفت النظر أن جميع العقوبات التي تفرض على مخالفي الوصية المكتوبة على باب أية مقبرة فرضها صاحب المقبرة، فكل منهم يضع العقوبات على الآخر بحسب المكانة التي وضع نفسه فيها وليس وفق قانون، والقانون الوحيد هو أن تدفع (للملك الذي يحب شعبه) وليس إلى خزينة الدولة أو إلى مؤسسة ما.
مما يدل على أن بناة هذه المدينة رغم إنجازاتهم لم يتمكنوا من وضع قوانين لدولتهم وبقوا ضمن دائرة فكر القبيلة والعربان.
فقط كانوا قبيلة تسكن في مباني فخمة وتدفن في قبور أفخم، وما نجاحهم في استمرار مملكتهم لمئات السنين عائد لهم ولتخطيطهم، بقدر ما كان عائداً للظروف المحيطة بهم التي شغلت عنهم العيون والتي كانت تتمثل بانشغال القوى المسيطرة بتقاسم تركة الاسكندر مثلا، وظروف محيطة أخرى.
وما مدائن صالح بمختلفة عن تدمر أو الحضر أو غيرهما من مدن الأعراب، فهي ليست أكثر من مغامرة قبلية في الصحراء مدينة بقوانين قبيلة، لا تمتلك لا قوانين ولا دستور ولا خطط للمستقبل، فتهاوت هذه المدن أمام الجيوش الرومانية المجهزة بعتاد وخطط، وبتقسيمات عسكرية والتزام قانوني لا يحق للقائد أو الجندي أو حتى الامبراطور اختراقه.
فلم يصمد الحب الملكي أمام القانون الروماني، فانهارت مدن ما بنيت لشعبها بقدر ما بنيت (للملك الذي يحب شعبه).