ريّان علّوش: ثغاء في المسلخ
زي بوست:
الجوع، والخوف، واليأس، كل ذلك كان سبباً مباشراً لتمضية عطلة نهاية الأسبوع في فراشي، ولا أستطيع تحديد ما إن كنت محموما أم لا، لأن الكوابيس والأحلام كانت متداخلة لدرجة أنني لم أعرف أيها كان أثناء نومي، وايها أتى على صحوٍ.
هنا، وبعدما حصل ما حصل أريد أن أكون شفافاً، وسأفشي بكل أسراري، أحلامي، كذبي، وكوابيسي، التي لا أجد مبرراً كي أبقى محتفظا بها، فأنا ولمدة طويلة كنت اتبجح كاذبا أمام زملائي في العمل، بأن ما منعني من الهجرة ليس قلة حيلتي، وإنما تمسكي بوطني وبهويتي، وكثيراً ما كنت أردد تلك العبارة التافهة التي تقول: بأن الوطن ليس فندقاً تغادره إن ساءت الخدمة فيه.
حلم نهاية الأسبوع لم يكن جديداً طالما حلمت به كثيرا فيما مضى، فتارةً أراني في شوارع باريس، وأخرى في برلين، وقد بدت نعمة اللجوء على سحنتي وهندامي.
الحلم الثاني الذي راودني طويلا هو بأني وسط مظاهرة ضخمة أحمل كرتونةً تلخص مطالبي وحقوقي، وأحيانا كنت أراني قائدا لتلك المظاهرات، مرفوعا على الأكتاف أردد ما أخشاه بحماس.
صراحةً حلمي هذا لم يكن مجرد حلم، بل كنت فيما مضى، وبعد أن أغلق باب غرفتي أردد بحماس تللك الأناشيد التي كان المتظاهرون يرددونها في الشوارع، لكن كنت أرددها بشكل هامس، لأنني على قناعة تامة بأن الجدران لها آذان، لكن فيما بعد أقلعت عن هذه العادة بعد أن أقنعني أحد الأصدقاء المقربين بأن جدراننا لا تسمع فقط، وإنما تسجل كلُ ما تراه.
الكابوس الذي لازمني طوال هذه المدة هو وقوعي بأيدي إحدى الجماعات المتطرفة، والتي حكمت عليَّ بفصل رأسي عن جسدي بعد اتهامي بالردة، وبالعمالة للنظام.
كنت في كل مرة أرى جسدي وقد فصل عن رأسي أستيقظ مرعوباً، أتحسس عنقي لأتأكد بأن ما رأيته كان مجرد كابوس، فألعن بعدها تلك المؤامرة والعمالة التي وقع فيها بعضنا، وأشكر الله على وجودي في مناطق النظام الآمنة.
هذا الصباح استيقظت على صوت ثغاء خروف قادم من الجوار، الأمر الذي ازعجني، وقلت لنفسي متسائلاٌ: أي حالٍ من الفوضى والتسيب بتنا عليه! كانت الساعة المعلقة على الجدار قد تجاوزت الثامنة، الأمر الذي جعلني أقفز مرعوباً عن السرير خشية تعنيفي من قبل مديري في العمل نتيجة تكرار وصولي متأخراً، بعد أن قفزت فوجئت بأنني أقف على قوائمي الأربعة،
أدرك الآن بأنكم ستدهشون مما حصل، لكنها حقيقة استوعبتها سريعا بعد أن وقفت أمام المرآة مطولاً، استوعبتها لأن ما حصل في البلد من قتل ودمار وعنف وجوع، جعلني أتمنى مراراً لو أني استطيع التحول إلى أحد الحيوانات، كي اتبرأ مما يجري،
صراحة كنت أتمنى لو أني تحولت لكلب أو حمار، لكن مع ذلك لست منزعجا كوني صرت خروفاً الآن.
عندما خرجت من منزلي فوجئت بأن الجميع قد صاروا إلى ما صرت إليه، وهذا الأمر اراحني لأنني سأُحرج جداً لو كنت الخروف الوحيد في المدينة،
ما لفتني هو الرضا التام عمَّا صرنا إليه، فالجميع كان يتصرف بشكل طبيعي، وكأن كلاً منهم أُنقذ مما كان عليه،
هذا الأمر جعلني أندس بين الخراف علَّني استطيع معرفة ما حصل، ولماذا؟!
أستطيع الآن تلخيص ما جرى بأن ما حدث كان بقرارٍ من الزعيم، الذي قال مؤخراً بأنه يريد مجتمعا وديعا متجانسا لا خطر منه عليه، وباعتبار أن الخرفان هي الأكثر وداعةً وتجانسا صرنا ما صرنا إليه.
أحد المتحمسين لما حصل قال:
لقد وعدنا الزعيم بأن الخضار والتبن سيكونان وافرين، وسيمنع عنا كل ما كان يحصل لنا في السابق من خوف وجوع واعتقال، لأنه وحسب رأيه بأنَّنا، وبعد ان أصبحنا خرافا متجانسة، لم يعد البلد بحاجة لأدواته القديمة.
هذا الخروف قد أقسم بأن الزعيم أيضأ صار خروفا، لكنه أضاف بأنه احتفظ بقرنين كبيرين كي يدافع عنَّا، ما لفت انتباهي أيضا هو عدم وجود أية قرون على رؤوسنا، لدرجة أنه من الصعب تمييز الإناث عن الذكور، وقد قال أحد الخراف معللا:
لقد بتنا الآن ثنائيي الجنس، يعني كل منا يمتلك أجهزة تناسلية ذكورية وانثوية في وقت واحد، ولذلك بات التلقيح ذاتياً، هذا الأمر جعلني أنفرد في إحدى الزوايا لأتأكد مما سمعته، وقد كان حقيقةً، وهذا ما أسعدني لأنني رُحمت من تكاليف الزواج.
بعد أن وصلت إلى دائرتي كان يتوجب عليَّ أن أدخل إلى غرفة المدير كي أبرر تأخري، عندما دخلت سرَّني بأن مديري أيضا تحوَّل لخروف، لكنه كان ضخما، وله قرنان صغيران بما يتناسب مع مكانته الوظيفية.
دون مقدمات قال لي بأنني لو تأخرت مرةً أخرى سينطحني بعدد الدقائق التي تأخرتها، سرَّني هذا العقاب، فهو لا يقارن بما كنا نتعرض له فيما مضى من توبيخ وضرب وطرد من الوظيفة وصولا إلى تلفيق إحدى التهم التي نزج في السجون على إثرها.
في هذه الأثناء لفتت انتباهي صورة الزعيم المعلقة خلفه، فاقتربت منها كي أرى أي كبش صاره زعيمنا،
كانت الصورة لذئبٍ مكشر عن أنيابه، بدا وكأنه يبتسم.
رؤيتي لصورة الذئب جعلتني أُطلق صرخة مدوية، كانت صرختي تلك ما هي إلا ثغاء في بهو مسلخ.