دينا عاصم: عيون صفية
زي بوست:
لم أر مثل عينيها، كانت زرقاء تميل للمعة بنفسجية، وجه مثلث صغير جدا كلقمة خبز لم تسويها نار الفرن فاخرجوها على عجل.
وجه تلتهم ثلاثة أرباعه عينان متوحشتان يعلوهما حاجب أسود كثيف ورموش غزيرة متشابكة، ذات شعر أسود شديد السواد، أجعد وجميل.
قابلتها في الثانوي، كنت أقول لها ليس أجمل من عينيك إلا أن تطلقي لشعرك العنان، لكنها كانت تهمس لي: “مجعد بشدة ولا يستره سوى تلك الكعكة التي أخبزها يوميا فوق رأسي” كنا نضحك، كانت لنا أسرار أجمل من أن تقال لغيرنا، لفرط براءتها وسذاجتها، قلت لها الشعر الأجعد جميل ومتوحش ويليق بك، وكانت تقول كلامك أجمل.
لم يجمعنا شيء كنا كنقيضين، ربما جمعنا التفوق كما كنا حالمتين بدرجة الامتياز، آه جمعنا أيضا الخجل الذي كان سمة لكل بنات تلك المرحلة “آنذاك”، كانت عاقلة رصينة تحمل أكثر من سنوات عمرها بعشرين مرة، وكنت أنا مرحة منطلقة أشاغب أستاذتي، في حين تكتم هي ضحكاتها على تعليقاتي السرية عن كل شيء حولنا.
وقع في يدي ذات يوم ديوان مجنون ليلى وكان ملكا لوالدتي درسته في فترة الثانوي كما كان مقررا على الطلبة أيامهم.
كنت آخذ صفية في آخر درج مدرسي وأقرا لها من الديوان ونبكي سويا، قلت لها: لا تبكي يا صفية، قالت: لا تقولي لأحد شعرا أبدا.. لا تسمعي أحدا شعرا بصوتك..!
فرقتنا الأيام فالتحقت هي بكلية الآداب قسم اللغة الإيطالية والتحقت أنا بكلية الألسن، بعد أن علق بكل منا شيئ من الأخرى، فأنا تصيبني نوبات خجل وصمت لا أدري قد تلجمني عن الكلام لفترات، وهي انطلقت في الجامعة وفكت زمام شعرها، سمعت كلامي وأطلقته، وسمعت كلامها فتوقفت عن إلقاء الشعر.
ومن يومها… لم يسمع أحد شعرا بصوتي إلا لماما وسريعا.. كأنني أخشى أن تعرف صفية..!