لاغيم لي لكن وجهك ماطر: للشاعر الراحل محمد الشيخ علي
زي بوست:
هبط المساء على دروبكَ
لا مظلَّةَ كي تقيكَ
وما يداكَ سُرادقان
ولا مساؤكَ عابرُ
ها أنتَ أنتَ
بدون مصباحٍ تكشُّ به الظلام
وأنت ترضع من مُخيلَّتي
وتنبش أمسك المطمور في أكداس ذاكرتي
وليلُكِ فاجرُ
خمسون عاماً مُذْ عبرتَ إلى الضياءِ
ولم تزل في خيمة البُلَغاءِ
تنزف كلَّما صلبوك شعراً
خالي القسمات من حلمٍ
وعمرك ناطرُ
هيّا انتظرْ
ثم انتظرْ
ثم انتظرْ
ولَكَ انتظارٌ آخَرُ
فاقعدْ على حَجَرٍ يؤاخي رُكبتيك
وأنت ترقب طائر الذكرى
وجفنك ساهرُ
طردوا طيور الحلم عن جفنيك
وانتعلوا خُطاك وسافروا
عرب الجزيرة هاجروا
لا أنتَ أنت ولا الخيام هي الخيامْ
مُذْ أيقظوك وأوقدوك وأوثقوك
وغادروا
فعلامَ تلبسني قناعاً
كلّما كُنَّا معاً؟
ولديك منك ومن بديلك سامِرُ؟!
سِيّان أن تلج البلاد مُقنَّعاً
أو أنَّ حزنك سافرُ؛
مادام مَسراك اختياراً بين قافلتين
إحداهن لا تُدنيك من يَمَنٍ
وأخرى لا تُعيد لكَ الشآم
عُدْ بي إلى أحضانها طفلاً
وخُذْ ما شئت من قمري
ومن شجري
ومن عُمرُي
ومن هذا الظلام
إيلافنا إيلافهم
لكنَّ بوصلةَ الشمال غبيّةٌ
والريح تكمن في المَدى
ورسائل الأحباب ما وصلَتْ
وما وصل الصدى
والزاجل المُنبَثُّ منبثٌّ
ولكنّ الردى
مازال يحتطب الحمام
هذا بِساطك لا يطيرُ
فأين نهبط حين تتَّسِعُ الشقوق بنا
ويُقَتل طائرُ
مافي السراب مدينةٌ
أوفي الضبابِ سَكينةٌ
ولهُمْ حدائقُ أَمْنِنا وطعامِنا
ولنا وإسماعيلَ وادٍ غيرُ ذي زرعٍ
وأطلالُ البلاد، وهاجَرُ
إيلافهم إيلافنا
والقادمون من الرُّكام
يتجمَّعون بردهةٍ
ليبيع كلٌّ بعضَه
أو بعضُهم كلاًّ
ويُلقوا ما تعفَّنَ من قصائدهم
على سجّادةٍ فقدتْ كثيراً من ملامحها
وأكسبها الغبار جلالةً
تَعِدُ المُصلّي أن يكون هو الإمام
ديباجتي اهترأت
وفوضى الريح لا تحنو
على وجع الهشيمِ
وأنتَ تدعوني إلى فصلٍ يجدِّدنا
وما مِن غيمةٍ تدنو
ولا أنثى تُعتِّقّني بنهديها
لأهطل من ذُرا حلماتها
أو من غمام؛
مطراً ليغسل جبهة السُّمَّاقِ
لو طالت قوائمنا قليلاً
حين نُجهش في ضفاف النهر
أو نعلو على جبلٍ
لنقرأ سيرة الأمطارِ..
كانت غيمةٌ أخرى تَحلُّ نِطاقها
لتكُبَّ وحلاً في المدينة؛
باعةً لليانصيب؛
حقائباً للدبلوماسيّين؛
أرصفةً لأكشاك السجائر،
إخوةً للمُفرَدين،
زبائناً للمومساتِ،
أَدلَّةً للسائحين،
طوابعاً للذاهبين إلى المنافي
هذه الأشجار لم تُخلَق لترحلَ
فانغرِسْ في تربةٍ تُؤويكَ
أو تُدنيك من أحضانها
وامتدَّ كاليقطينِ..
لكنَّ الدروب تشابهت
وتشابَهَ الأحبابُ والأَغرابُ
في دار الضيافةِ والخِلافةِ
والسلامْ؛
كالليل يُرخي سالفَيْهِ
على مَدى أحداق من سَلِموا،
وأُوشِكُ أن أراكَ
وأنت.. أنت مُحاصَرُ،
هبط المساء بلا نجومٍ
واستراحَ الظِّلُّ
من تعب التطاوُلِ
فالتجأتُ إلى بساطِكِ
هارباً من نطع قاتلتي
لأسقي وردتي حلماً
ووجهُكِ في القصيدةِ ـ يا حبيبةُ ـ
ماطِرُ