محمد زادة: لم يبق فرق بيننا فزيتوننا سُرق وزيتونكم يحترق

محمد زادة: لم يبق فرق بيننا فزيتوننا سُرق وزيتونكم يحترق

زي بوست: محمد زادة

كنت أزور صديقي حسن في ريف إدلب، كنت أقبّل يد والدته آمنة وأعانق إخوته وأولاد عمه وأولاد الخال والجيران، الكل كان ينظر إلي كما لو أنني حسن، وكنا دائماً نتناقر أنا وخاله الصغير ناصر الذي كان يعتبر أن زيتون ادلب هو أفضل زيتون في الشرق الأوسط، وأن زيت زيتونهم هو الأول في العالم، لكنني كنت أعترض على كلامه واقول له أن زيتون عفرين هو الأول، في كل زيارة لبيت حسن كنت أتناقر مع خاله، فتتدخل آمنة لفض الخلاف بيننا بصفعة خفيفة لناصر وأخرى لي ونضحك.

حين فكرت بالسفر ذهبت لوداعهم ومكثت اياماً ثلاثة عندهم، وحين مضيت بكى حسن وبكت آمنة وبكى أولاد عمه والأخوال، وأكثرهم بكاء كان ناصر وقبل أن ينطلق الميكروباص سألني ناصر وأنا داخل الباص عن زيتونهم فجاوبته بأنه لا بأس به لكن زيتون عفرين هو الأول فشتمني وصفعته آمنة، وانطلق الباص وصوت حسن ياتيني… (لا تقطع عنا الرسائل يا محمد).

قضيتُ سنيناً في ألمانيا وكان حسن يزور أهلي كلما مر في حلب، وكنت أفرح كلما أسمع من امي بأنه زارها، ومرت سنين وسنين واشتعلت البلاد والناس تفرّقت في كل اتجاه وانقطعت أخبار حسن.

وبعد عامين كتب لي أحدهم على المسنجر باسم مستعار بأنه يريد الاتصال بي، فقبلت الاتصال وكان صوته صوت حسن، كان هارباً من الموت بعد عامين في سجون النصرة، حدثني عن ثلاثة من أولاد اخواله استشهدوا في جبهة حمص وشقيقه الأصغر تم رميه بالرصاص لأنه فكر بالهرب من الثكنة التي كان يخدم فيها لجيش النظام، وحدثني عن آمنة التي نزحت إلى عفرين مع أطفاله، وحدثني عن اختفاء ابن عمه علي في فرع الجوية، ثم حدثني عن ناصر الذي مات في تفجير سوق الخضار، ثم انقطعت أخبار حسن، كتبت له عشرات الرسائل على المسنجر لكنه لم يفتح واحدة منها، وبعد عام كتب لي بأنه للتو خرج من السجن في تركيا حيث كان يعمل في مزرعة ليل نهار ليجمع النقود للسفر ولمساعدة أمه وأطفاله، لكن صاحب المزرعة لم يعطه شيئاً واتهمه بالسرقة فأدخلوه السجن، وحين أفرجوا عنه رموه على النقطة الحدودية فأستلمته الفصائل في معبر باب السلامة ورمته في السجن وانقطعت أخبار حسن، كتبت له مئات الرسائل لكنه لم يفتح واحدة منها وفي آخر رسالة كتبت له…

يا حسن أعرف انك في سجن ما أو ميت في مكان ما، أردت فقط أن ترى كم من الرسائل كتبت لك ليس لأنك حين ودعتني ومضى بي الميكروباص جاءني صوتك بأن لا أقطع عنك الرسائل.. ليس لهذا يا حسن فأنا أكتب لك لأنني أحبك، يا حسن أنا أعرف بأنك غادرت هذه الأرض اللعينة لأنك لو كنت حياً لكتبت لي فأنا أعرفك، يا حسن ها أنا أكتب لروحك الحائرة في مكان ما بأنني أفتقدك كثيراً وأتذكر أيامي معكم، يا حسن قل لناصر بأنني كنت أمازحه فزيتنا وزيتكم واحد
يا حسن لم يبق فرق بيننا فزيتوننا سُرق وزيتونكم يحترق.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s