رودي سليمان: رسائلي إلى الله

رودي سليمان: رسائلي إلى الله

زي بوست:

رسائلي إلى الله ثلاث
جاءت تباعاً ترجو منه مرة حبيباً كان يغادر قلبي وموتاً طالما كان قريباً مني وثالثها كانت تسأل عن أحوال كل الذين في السماء.

إنها الدومينو المتسلسلة في تصنيف القهر، الأولى إنها الطفل اليتيم في موتها الوحيد، إنها الجثة المتروكة وسط غابات موحشة، إنها الهائجة بأشواقها المتناثرة بكلمات العجز والحسرات ومحاولة اندمال الانتانات في جسدها الممزق المتكامل الوجع.

إنها السراب الذي سأحيا على دمارها وأنقاضها المغروسة في قلبي، لو أنك يا عزيزتي (سوريا) طيفاً أو سحابة مارقة وربما قارب مرَّ من ميناء العمر ماكنت قد حفرت اسمك بهذا العمق في شرايني، لو أنك صدىً مجهولاً أو حتى أثر قدم تمحوها عاصفة مطرية هوجاء، لو أنك لاشيء لكنت الآن شيئاً كبيراً في كل شيء، إلا أنك جذوري المقطوعة من وسطها ترويني نزفها وتسيلين في جداول العهر والموت.

عزيزي الله ………
لو أنك هنا أنظر مرة واحدة في بقعة يتيمة من الأرض امتازت بفراتها وهو يلثغ حروفه كي يؤصل آثام الشهامة، وفيها عاصٍ سبق الأوائل في ثورته يروي المتوسلين احتياجهم، فيها زيتون كثير، أما كنتَ قد تلوتَ علينا (والتين والزيتون وطور سنين) فباركها باسم آيتك واحمها من بطش سؤودتها على نفسها، فيها ياسمين تهافتت عليه العطور البكر، فيها جبال أثارت بشموخها غيرة كل الجبال، فيها أنا الكردية وجارتي أم حسام الإدلبية فيها فخرية القرباطية ونوري المبيض فيها دريد لحام الخسيس، فيها معلماتي ومدرسي اللغة العربية، الفرنسية واللغة الانكليزية، فيها أهل جارتي الكلدانيين وأهل صديقي طوني السريان، فيها أهل صديقي عازر في السويداء، فيها خالي في عفرين وخالتي في سفح جبل تعانق ورودها ظناً منها أنهم حفيدتها البعيدة.

فيها قبور أجدادي فلم يبق منا أحد يثبت جذورنا إلاهم، أعيت الأرض وفقدت ذاكرتها، الأشجار احترقت والدماء فاضت في الأنهار، الأطفال تاهوا بين الخيمات، العجائز سقطت منهن لعنة الذاكرة ومنهن من هتفت للجنون هرباً، بينما نساؤنا تصلبن بكل العروق البارزة في خطوط وجهوهن فرسمن بها حياة كاملة من المآسي وملاحم الألم.

الحرب ماكينة كبيرة تطحنهم والناس سنابل قمح تُهرس بين مسنناتها فتتناثر بين هنا وهناك وبين كل هذا لا مكان يتسع لدهسٍ أكثر.

عزيزي الله
لا أريد استرجاع حب تصدّأ من برودة القلوب، ولا أريد منك شفاء خالصاً لطالما أتعبني المرض وإنما كل ما أرجوه أن تقتل تلك اليتيمة سوريا دفعة واحدة بإعصار ما أو بركان هائل، وليرتاح من فيها من موت متعب صادم بدلاً من أن يدفع ثمنه بتقسيط مفجع هكذا.

اقتلنا دفعة واحدة ولن نلومك يوماً على ذلك، أعدك، لن نلومك أبداً
وبعد الموت فقط، انثر حروف سوريا على الغيمات علها تجف من دمائها وتولد في حياة أخرى بحظ أوفر
هكذا انثرها س و ر ي ا

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s