بثينة هرماسي: أنبياء في الكتب المقدّسة
زي بوست:
حين كنت طفلة صغيرة
كم كنت أودّّ أن أكون شاعرة
كان يغريني سحر الحرف
و جمال والكلمة
كنت أرى الشعراء في منزلة عالية
كالأنبياء في الكتب المقدسة
أو كأبطال أساطير الإغريق..
نصف بشر
والنصف الآخر آلهة
كنت أراهم في خيالي،
أشاوس.. بواسل..
لا يهابون الوغى… ولا المآزق ..
فوارس،، يمتشقون الحرف
من غمد القلب،
يخوضون به معارك الحياة..
فلا يهزمون أبدا
تماما كالشّجعان المغاوير
في ملحمة،
كنت أودّ أن أكون شاعرة
لا تهاب عتم الليالي..
ولا ظلمة الطريق..
أحمل في جيبي نجمة
وأمنية مضيئة كبوصلة
وأنا طفلة صغيرة ..
كنت أعتقد أنّ الشّعر تميمة
لها قوى خارقة
تحصّن القلب من الشرّ ..
والنحس .. والحسد ..
والأذى ..
و كنت أعتقد
أن للشّعر مملكة جميلة.. بيضاء ..
نلوذ اليها
فتبهج .. وتضيء.. اكتئاباتنا
بيت جميل يأوينا
بيت مسيّج بالرّياحين ..
والورود ..
والأحلام العابقة ..
حين كنت صغيرة ،،
كنت أعتقد ،،
أنّه بإمكان القصيدة
أن تبحر بنا إلى مرافئ السلام
وإلى جزر خلاّبة و ساحرة ..
و أنّ بامكانها أن تتحوّل
إلى غيمة صغيرة ماطرة
ترفعنا حدّ النُجوم العالية
هناك
في ذاك السّموق ..
محتمل أن تنبت لنا أجنحة
فنمضي نسورا،، تحلّق بالحرف
لتبلغ به عنان السماء
وأنا طفلة صغيرة
كنت أنظر للشّعر بعين حالمة
عزف جميل .. بوقع عذب ..
وجنته مشرقة ..
كنت لا أرى من القصيدة
إلاّ ضياءها ..
لم أكن أعلم إلى أيّ حدّ
يمكن أن تكون القصيدة
مرّة .. داكنة .. و قاتمة ..
مرار بطعم الحنظل
وقتوم لا حدّ له ..
لم أكن أعلم إلى أيّ مدى
يمكن تكون القصيدة مرعبة ..
عنيفة ..وقاسية..
رعب شحذ سكّين على الحنجرة
أو غرس خنجر وخضّه
في جرح ينزف في الخاصرة
حين كنت طفلة صغيرة
كم كنت غشيمة و ساذجة!!
لم أكن أقدّر إلى أيّ حدّ
يمكن للقصيدة أن تكون
موجعة..
ترنيمة آهات
وصبٌ غدفٌ ..
و جرح غائر ..
لا يجفُ نزفه ولا ينضب ..
ولم أكن أقدّر أي حدّ
بإمكان القصيدة أن تكون
تنّور نار يعجّ في الرأس!
زلزال غضب يهزّ الكيان!
وحمم بركانية داكنة!