نصري حجاج: ما هو سرّ كل هذا الحبّ المعلن للراحلة نجوى قاسم؟
زي بوست:
تقرير *العربية الحدث* عن رحيلها كان ضعيفاً وركيكاً والمقالات التي كتبت على عجل لم تتجاوز تقديم بعضاً من سيرتها الذاتية وتكرار المنهجية نفسها أي إبراز الشخصيات العامة والمعروفة للعامة من الناس التي كتبت نعياً أو رثاءً للإعلامية البارزة نجوى قاسم من سعد الحريري إلى السفير السعودي إلى وزير الثقافة السوداني(أفضل المتحدثين على كل حال) إلى الوزير الأردني السابق الإعلامي صالح قلاّب إلى مدير العربية إلى بعض الأسماء البارزة الأخرى.
كل هذه الشخصيات مع احترام النوايا لم تلمس سر حب الناس لنجوى قاسم.
تابعت مسيرة نجوى قاسم منذ كانت في قناة *المستقبل* اللبنانية ثم في قناة العربية وعرفتها شخصياً من خلال مقابلة أجرتها معي في دبي عام 2009 أثناء انعقاد مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي توقف منذ عامين. كان موضوع اللقاء فيلمي*كما قال الشاعر* وكان الحديث عن محمود درويش حيث أبدت نجوى محبة كبيرة للشاعر الراحل قبل عام من هذه المقابلة.
حضور نجوى قاسم على الشاشة لا يشبهه حضور أي من المذيعات أو المذيعين في العالم العربي فأنت تستطيع أن تدرك ببساطة أنها لا تنتمي الاّ إلى نفسها الى شخصيتها إلى ما تريده هي من الشخص الذي تقابله وليس الى ما تريده القناة التي تمثلها وظيفياً بعكس الإعلاميين والإعلاميات على شاشات الفضائيات العربية الذين تحس وانت تشاهد برامجهم أنهم واعون لسياسة القناة التي يمثلونها ويستدرجون الشخص الذي يحاورونه ليقول ما يخدم تلك القناة وإذا وجدوا إنه سوف يشطّ عن ذلك المسار فتراهم يقاطعونه أو ينتقلون إلى موضوع آخر أو يبررون وقف الحوار ب *وصلت الفكرة* أو *إنتهى الوقت *. نجوى قاسم كانت تشعر ضيوفها أنها معهم وأنهم ضيوفها الشخصيون في بيتها ربما وليس على الهواء وقد تطلق ضحكة صادقة من أعماق قلبها فيشعر الضيف المتوتر بالهدوء أو تذرف دمعة لأنها لم تعد تحتمل الأسى في الموضوع الذي تتناوله في برنامجها وهي تشاهد وتنقل أخبار القتل والظلم والتشريد والتدمير في الأماكن التي غطتها إعلامياً في العراق وافغانستان ولبنان.
كانت صديقة للشعوب التي انتفضت من أجل العدل والحرية ولم تنحز سوى للحرية.
وهي كامرأة جميلة لم تكن تلجأ إلى جمالها ليضيف إلى حضورها ولا تبتسم تلك الابتسامة البلهاء التي كثيراً ما تراها على وجوه كثير من المذيعات ولا تغنج ولا تحرك عينيها بتسبيلة مثل تسبيلة عينيّ مرسيل خليفة على المسرح. هي إنسان جميل يحاور إنساناً أمامه وجلّ ما يهمها هو موضوع الحوار كأي محترف صادق يفكر بالموضوع وبجمهور المشاهدين وبالفائدة المعرفية التي يجب أن تقدمها للناس.
لهذا أحبها الناس حتى أؤلئك الذين يربطون الإعلاميين والإعلاميات بسياسة القناة التي يعملون بها.
نجوى كانت خارج التصنيفات وأستطيع أن أقول إن خسارتها غير الخسارة الأساس لأهلها وأحبتها وأصدقائها وجمهورها العريض في العالم العربي هي خسارة كبيرة لقناة العربية التي كانت محظوظة بوجودها.
مهارة نجوى قاسم في عملها مهارة إنسانية حقيقية في المقام الأول وهذا أمرٌ قلّما وجد في بلادنا وثقافتنا فالإغراءات والخضوع لسلطة رب العمل ورب المال تجعل وجود مثل هذه الشخصيات حدثاً نادراً.
المصدر: صفحة الكاتب والمخرج السينمائي نصري حجاج في فيسبوك