ثورة الجياع.. مصطلح شائك يثير الجدل بين السوريين شكلاً ومعنى
زي بوست:
مع اندلاع الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية المتردية في السويداء، والتي تجلت بمظاهرات شعبية حملت شعاراً واضحاً لا يقبل التأويل (بدنا نعيش)، والذي سرعان ما أضيفت إليه عبارات تشير إلى الفساد المستشري في البلاد، ولد مصطلح (ثورة الجياع) تنبؤاً بثورة عارمة قد تغطي مختلف المدن السورية بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق.
هذا المصطلح الشائك انتشر كالنار في هشيم مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أنه بات القضية الحالية، بعد أن بردت نيران قضية القتيل السوري في فيلا نانسي عجرم، ليتحول هذا الحدث إلى حدث الأسبوع بامتياز رغم سخونة الأجواء الإدلبية والحلبية، وتقلبات الأوضاع العسكرية هناك.
يجد كثير من السوريين المعارضين للنظام، بأن هذه المظاهرات لن تمتد لفترة طويلة، وسرعان ما ستخمد بطريقة ما لن يعجز عنها النظام السوري وأجهزته، وأنها لن تتعدى حدود السويداء والتي تتمتع ببعض الميزات غير المتوفرة لدى أهالي المدن الأخرى التي يسيطر عليها النظام السوري.
بينما يغالي البعض في الموقف السلبي إذ يعتبرون كل حراك شعبي سببه رغيف الخبز، لن يبلغ المصداقية المطلوبة بعد تخلفه عن المشاركة في الثورة السورية حين اندلاعها منذ سنوات، لتبدأ المقارنات بين ما وصف بـ ثورة الجياع وما أطلق عليه ثورة الحرية والكرامة، يقول أحمد عباس وهو مدرس سوري مقيم في دولة خليجية لزي بوست: “من لم يتحرك ضد النظام طوال السنوات الماضية مطالباً بحريته وكرامته، رافضاً للقتل والقصف والتدمير والتهجير، لن يكون لحراكه اليوم أي وزن”.
ويضيف “عبّاس”: “وأي حراك هذا، حراك من أجل رغيف الخبز، أم يدرك المتظاهرون أن النظام والحكومات المتتالية التي تتبع له قد قامت على مر سنوات طوال بسرقة قوتهم وحقوقهم؟ لم تحركهم كل هذه الدماء ولا كل هذه الضغوطات، أعتقد أن هنالك فرقاً شاسعاً بين من يتظاهر لتحقيق الحرية والعدالة وبين من يتظاهر بعد أن يصل به الحال إلى فقدان رغيف الخبز واقترابه من حافة الموت جوعاً، إنك حين تنتظر اقتراب الموت جوعاً وقهراً وفقراً لن تقوى لا على التظاهر ولا على الصمود إن تظاهرت”.
لكن الكثيرين ينظرون للأمر من زاوية مختلفة، ويجدون أن وقوف كل السوريين مع محتجي السويداء، أو مع آخرين قد يتحركون ضمن ما يسمى (ثورة الجياع) أمراً هاماً جداً، فأية حركة تحدث ضد النظام السوري في الوقت الراهن، لا بد أن تؤثر عليه سلباً وهذا يعتبر مكسباً لكل السوريين.
ويقول الأديب عبد الغني حمادة والمقيم في مدينة كلس التركية لزي بوست: “أنا أؤيد أي حراك مدني ضد النظام وعصاباته المتغولة، كما أتوقع أن تمتد المظاهرات في المدن الأخرى الواقعة تحت سيطرته، ولا يهمني إن سميت ثورة جياع أو غير ذلك، فما دام الحراك هو ضد السلطة الحاكمة، فهذا دليل وعي كبير وخطوة إلى الأمام، سوف تتبعها خطوات احتجاجية على مستوى أوسع في السويداء وباقي المناطق السورية”.
ويضيف الحمادة: “تمنياتي لأخوتنا الأحرار أن يتسلحوا بالوعي ويستفيدوا من الأخطاء التي وقعت فيها الثورة السورية (كالمذهبية والمناطقية والعشائرية ووو)، لمناطق الأقليات السورية خصوصية يجب الاهتمام فيها واستيعابها من قبل جميع شرائح الشعب الثائر وعلينا أن لا ننصت للأبواق النشاز”.
البعض رأى أن الحراك الجديد والمسمى ثورة الجياع، هو جزء من الثورة السورية حان دوره في هذه المرحلة، بل يزيد بأن يعتبر خطوة كهذه وفق الظروف الراهنة للمواطنين المقيمين في الداخل السوري بطولة حقيقية، ويحدثنا الكاتب الساخر وابن مدينة سلمية “ريّان علّوش” قائلاً: “أنا مع الحراك الشعبي في السويداء بل أجده غير منفصل بالمطلق عما بدأنا به نحن عام 2011 فهو مجرّد تتمة، ويثبت تماماً أن النظام السوري بات غير قادر على توفير أدنى مستلزمات العيش للمواطن السوري في مناطقه”.
يعتقد العلوش أن “مجرد بقاء الناس في الداخل السوري وفي هذه الظروف يعتبر صموداً” بحسب تعبيره، “وإن كتابة منشور فيسبوك أو وضع لايك على منشور ضد النظام الحاكم يعتبر عملاً بطولياً”.
وعن إمكانية توسع هذا الحراك ليكون بالفعل ثورة جياع تعمّ البلاد أوضح العلوش: “أشك أن ينتقل هذا الحراك إلى بقية المناطق السورية، والسبب معروف، إذ أن قبضة النظام الخانقة لن ترحم المحتجين فيما لو توسعت الدائرة، وأجد ان حركة المحتجين في السويداء أسهل لأنها عبارة عن قرية كبيرة مجتمعها متماسك متضامن أكثر من باقي المدن السورية”.
يرفض كثيرون اعتبار هذا الحراك ثورة جياع، بينما آخرون يرون أن كونه ثورة جياع ليس عاراً أو انتقاصاً من أهميته، ويدور جدل كبير حول هذه القضية، ذلك الجدل الذي يصل بين السوريين كالعادة إلى مهاترات ودفاع وهجوم، بينما “محمد صالح” وهو مدير شركة للطاقة البديلة ويقيم في حمص وجد الأمر مختلفاً، إذ كتب على صفحته في فيسبوك: “مثل كل شيء في هذه البلاد كانت احتجاجات السويداء (بدنا نعيش)، لها بعض المؤيدين ولها بعض المعترضين ولكن المعترضين ينتمون إلى تيارات متناقضة من مؤيدين شديدي الموالاة إلى معارضين متطرفين”.