جميل جرعتلي: الرأس المربع
زي بوست:
قاسم مشترك يبدو ظاهراً بين من استفادوا من الحاكم العثماني، هو امتلاك الجميع رؤوساً مربعة تشبه تلك كان يرسمها سلفادور دالي لكائنات خرافية تتلون وتأخذ شكل الجغرافيا المحيطة كي لا يكتشفها أحد!.
صاحب الرأس المربع كان يحشو في صندوقه الحديدي، المحمول على كتفين والمزود من تحت بذراعين وعلى واجهته أنف وعينان وفم، كي تنطلي الخطة على الناظرين، كل أنواع المكاسب والأموال والبيانات التي يمكن استخدامها متى دعت الحاجة، هو مسؤول في محطة إعلامية هامة، يقبض القسائم “البونات” أضعاف ما يقبضه بقية الموظفين في القناة، يجمع اليسار واليمين في جعبة واحدة، بلحظة يمكن أن يفتتح الحديث بشكل كلاسيكي يوحي أنه متمسك بالتراث والتدين، وأخرى ينبري بعيداً كي يكون مثل غيفارا الثائر العالمي، القاعدة دائماً هي أن يملأ الصندوق الحديدي الذي يشبه الرأس المحمول على كتفين بشريين كي لا يثير الشبهات!.
حتى وقت قريب من هجرته خارج الحدود، كان الرأس، عفواً الصندوق الحديدي، يطفح بالأموال والعقارات والأملاك المتنوعة، حتى إنه اشترى سيارة حديثة لم يتمكن من ركوبها بسبب خوفه من القيادة، فأهدتها زوجته لأخيها.. اشترك في عدة جمعيات سكنية كي يبيض أمواله ثم سجل المنازل بأسماء أشخاص من العائلة والمقربين كي لا يتم الحجز عليه إذا ما حدث أي طارىء!.
الرأس المربع الذي يشبه الصندوق ركب سيارة الأجرة، ثم انطلق باتجاه غازي عنتاب، مرّ على جميع الحواجز بشكل طبيعي فهو غير مطلوب ولا يشكل خطراً بالنسبة لأولئك الذين كان لهم الفضل في إملائه بالعملة والمكاسب والأفكار الفاسدة.. وبعد أن قطع الخط الأزرق الفاصل بين عفرين وأول مدينة تركية، كان عليه أن يعيد طلاء الرأس المربع ويعيد ترتيب تسريحة الشعر ونوعية العطر كي تتلاءم مع التبدلات الجديدة.. الرأس المربع بدأ يوجه البوصلة باتجاه منابر جديدة أكثر شهية ودسماً هذه المرة..
هذا الحمل الوديع الذي بدأ ينسج القصص عن الفقر والمعاناة والتعرض للمخاطر، كان على موعد مع قصص مختلقة يرويها في مدينة غازي عنتاب “التركية” لأشخاص كان يتم شحذهم كي ينقضوا على فريسة تتنازعها السكاكين والخيانات مع الكذب والرياء والمتاجرة.. الصندوق الحديدي المحمول مثل رأس على كتفين بشريين، كان يفعلها ثانية لكن بحرفية وعائدات كبيرة هذه المرة، أما الخردة المؤكسدة وصديد المال فكانت تنزّ من الرأس المربع مع الأعضاء المقطوعة والجثث مجهولة النسب.. كأن الرأس المربع تحول إلى مكبّ نفايات للإنسانية.