إبراهيم شاهين: لم شمل

إبراهيم شاهين: لم شمل

زي بوست:

جاء إلى المدينة غريباً لا يعرفه أحد، أمضى وقتاً طويلاً كرجل وحيد، يسير في الشوارع وحده، يشرب القهوة في المقهى وحده، يشتري حاجياته وحده، يطبخ، يأكل، يكوي قمصانه، يشاهد المسلسلات الكوميدية القديمة ويقهقه بأعلى صوته وحده كي يكسر الهدوء في بيته، فهو بيت رجل وحيد، وحيد تماماً.

جمع عشرات الأوراق الرسمية في ملف ضخم، أرسل عشرات الرسائل الالكترونية، أطلق في اتصالاته الهاتفية مع ( البلد) وعودًا لا قدرة له حتى على التفكير بكيفية الوفاء بها.

في لحظة جديدة ، شعر أن كل شيء فيها جديد، الهواء ببرودته الخفيفة، وجوه الناس، حتى جبين جارته العجوز المقطب دائماً، بدا في ذلك الصباح أقل تجهماً.
وكذاك كلمات بائعة الورد التي فهمها تماماً
– اليوم ستصل عائلتي، أريدها باقة مميزة، و لاتهتمي للنقود رجاءً.
– أمر جيد وجميل أن تأتي عائلتك اليوم.
قالت البائعة وهو يحاول أن يخمن العدد الهائل لأطواق الخرز الناعم الذي طوقت به عنقها المضيء.
حمل باقة الورد و أسرع إلى القطار المتجه إلى المطار .

في البيت فتحوا حقائبهم، هدايا بسيطة تتناسب مع فقر و تعب سورية، المكان الذي قدموا منه، قدموها له، فرح بها مع المزيد من العناق وتنهدات الارتياح.
غسلت زوجته قطرميزاً زجاجيًا فارغاً، نزعت عنه الورقة التي عليها صورة الفاصولياء الخضراء، صار القطرميز مزهرية وضعت فيها أزهار استقباله لها.

تحدث مع الصغار ، ضحكوا كثيرا وهم يأكلون بإعجاب ومتعة الطعام الفاخر الذي حضّره لهم، ناموا من تعب السفر.
أخذهم إلى الأسواق.. اشترى لهم أشياء كثيرة.
سريعاً راح الأولاد إلى المدرسة، الزوجة تحاول بدأب وارتباك فهم هذا العالم الجديد، و الولدين صارا يمارسان فترات صمت مع وقفات طويلة على النوافذ بعيون تسرح بأفكارٍ متداخلة.

بعد زمنٍ قليل صارت الضحكات أقل صخباً، و الأحاديث أقصر ، و مسلسلات الكوميديا لم تعد تثير الضحك الصاخب.
عاد الهدوء إلى بيت الرجل الذي كان وحيداً، وحيد تماماً، صار فيه أربعة أشخاص صامتين وحيدين، رجل وامرأة وولدين يافِعَين وحيدين تماماً.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s