عبد القادر الحصني: الجرّافة
من كتابات من المأساة السوريّة في مثل هذا اليوم عام 2014
زي بوست:
سائق الجرافة التي كانت تجرف الجثث توقّف فجأةً عن الجرف وراح يحدِّق في الجثة التي وصلت إليها أسنان السطل، وهو لا يكاد يصدِّق، فهو يعرف صاحب هذه الجثّة.. يعرفه جداً.. ولا يمكن أن يجرفه. رجع وانحرف بسطل الجرافة قليلاً ثمّ حذف الجثّة جانباً ليتابع الجرف. الشبّيح الذي يشرف على عملية الجرف ضبطه وهو في هذه الحركة المشبوهة، فصرخ به: شيلها.. شيلها يا حيوان.
– سيدي بشيلها.. أنا بشيلها بآخر الدوام!
– عم قلك هلأ شيلها.. وما حدا أحسن من حدا.. كلو ع الجرافة يعني كلو ع الجرافة.
– بس سيدي مو معقول.. هادي جثتي .. جثتي أنا.
– جثتك.. شو يعني جثتك؟! وشو بعملك إذا جثتك؟ بطلبلها فنجان قهوة إذا جثتك؟!
– سيدي مو هادا قصدي.. قصدي باخدها معي ع البيت .
– هه ع البيت يا حنون؟! قلتلي ع البيت!! ولشو ما صابتك ها الحنّيّة من دقيقتين؟!
– (مستغرباً) من دقيقتين؟!!
– أي من دقيقتين لما جرفت جثتي ورميتها بالقلّاب يا ابن الكلب.
أُسقِط في يد سائق الجرافة.. تنحنح، وشتم الجثث ويومها.. ثمّ عاد بالجرافة، ووضعها في الاتجاه الصحيح.