إبراهيم شاهين: وصايا الطريق
زي بوست:
حبيبي المهاجر لجوءاً:
كيفك بالتأكيد أنت مُتعَب، بكل الأحوال أعتقد أنك اعتدت على أن أحاديث البشر التي تسمعها حولك لا تعنيك فهي أصوات بلغات أجنبية، التركية واليونانية والمقدونية والصربية والهنغارية والكرواتية والألمانية، وقد تعترضك أيضاً الألبانية أو البلغارية، فهي مجرد أصوات للغاتٍ لا تفهمها، حتى اللغة الإنكليزية التي كنت تدرسها باهتمام في البلد ستكتشف أنك ضعيف فيها وستعزي نفسك: (بالغرامتيك أنا كتير مليح بس بالمحادثة مو زيادة)، طبعا لن تنتبه إلى أننا في سورية لسنا أهل لغات أجنبية فيومياتنا فقيرة بها، المهم أنك تسير في طريقك الآن ولا بد أنك صرت التراب والعشب المبللين بالندى أو بالمطر، فهما هنا لا علاقة بينهما وبين الرومانسية، إنهما هنا وحل و السير عليه يعرّض المرء لخطر الانزلاق وهذا ليس وقته، وسيكون للأماكن روائح وانطباعات غريبة، ولا تستغرب إن رأيت الهواء بعينيك، نعم ستراه بعينيك، ستراه وبألوان متعددة وغالباً مزعجة، أما البوليس وحرس الحدود والجيوش، سيفصحون لك عن قرار العالم اتجاهك دون كلام، بإغماضة عين متعجرفة تغض النظر عنك وأنت تعبر الحدود، أو بهراوة سوداء لامعة وبندقية غريبٌ شكلها مشرعة في وجهك تأمرك: عد للوراء ..Go back, عد من حيث أتيت.
ولن يهتم لملامحك المرتبكة أحد وأنت تسأل نفسك: أيُّ مكان من الأماكن الكثيرة التي أتيتُ منها يقصد هذا الجندي الضخم؟
وستصل أو ربما تصل، إلى مكان تستقبلك به صبيّة شقراء ، ترتدي فوق ملابسها صدرية حمراء أو صفراء أو خضراء، عليها لوغو لصليب أو زهرة أو ربما حمامة سلام، وقد تلحظ تعبك ولهفتك للمضي في السير، فإن ضمَّتكَ برقّة وهمست في إذنك: It’s okay. You have arrived .
لا ترتبك، فقط حاول أن تحتفل برائحة عطرها الخفيفة لأنها ستكون أول دليل على حالةٍ إنسانية لم تلتقي بها منذ أسابيع، أو ربما لم تصادف مثلها في حياتك الماضية كلها.
ودع عن بالك التفكير بأصناف البشر الذين رافقوكَ كلّ الطريق أو بعضه: النذل والشهم، و الشجاع والمهووس، البخيل والمتواضع، و الكريم والمدّعي واللّص، والذي يعرف ماذا يريد، والذي لا يعرف لماذا هو هنا..
دعك منهم فبعد المائة متر القادمة داخل حدود البلد، بلدك الجديد، ستضيع عنهم و يضيعون عنك ولن تلتقي بهم ثانية أبداً، فرحلتك هذه لا رفاق فيها، إلا رفيق واحد هو رفيقك الحقيقي طيلة رحلتك، هاتفك الجوّال، سيصير عضواً من أعضائك في أيامك القادمة، معه تتذكر، وتطمئن على أهلك، و تشتاق وتحن و ترسل القبلات و الآهات، و تمارس الحب والانتشاء، وتستمع لمقطوعة على العود ألفها صديق لك في بلد بعيد، وتسكرا معاً وترفعا نخب الموسيقا في آخر الليل، أو قبل أن ينفذ شحن البطارية، كل ذلك سيتم مع ومن خلال رفيقك، هاتفك الجوال ، هو بيدك دائماً فاحرص عليه حرصك على نفسك.
وقد تسمع بعد قليل من الزمن أحد قدماء المهاجرين وهو يتفزلك ويسأل عن هوس السوريين بالموبايل، دعك منه حتى لو شرحت له لن يفهمك،
شيء آخر. أقوله لك : حين تشعر أنك صرت في أمان، وتتأكد أنك قد اجتزتَ البرزخ المفضي إلى الجنة، الجنة التي سمعت عنها و ماتزال في رأسك بلا ملامح، بعد أن تعبر البرزخ ستجلس على الأرض و بهدوء ستخلع حذاءك وسوف لن تستغرب خليط الروائح من ماء و عرق و طين و روث الحيوانات، ثم بهدوء ستنزع جوربيك وستتألم في عدة نقاط نزفت و تجمد الدم فيها فالتصق الجورب بقدميك.. ستبدأ بعدها بإحصاء الثآليل ومسامير اللحم.
وأخيراً ستكتشف متعة الحمامات الساخنة كل يوم.
وأوصيك كي لا ترهق نفسك ، اعتبر عناق العشاق لبعضهم في الطريق هو الأمر الطبيعي في حياة البشر .
وأظن أنك بعد أن تشتري سترةً سميكةً شغل الأجانب مع لفحة صوفية، لن تنسى إرسال صورة سيلفي ضاحكة لصديقك في الشام وتكتب له تحتها: سلفي و برلين، ساحة آلكساندر بلاتس خلفي .