علي صالح الجاسم: ولادةٌ على أطلالِ الأربعين

علي صالح الجاسم: ولادةٌ على أطلالِ الأربعين

زي بوست:

عذراً إذا انطفأَ السِّراجُ
وخيَّمَ الليلُ البهيمُ على المكانْ
وتدفّقتْ من وجنةِ الظُّلماتِ أسئلةٌ
بحجمِ الجرحِ فضَّ إزارَها
بردُ الشِّتاءْ
كنَّا ثلاثةَ تائهينَ يشدُّنا
موجٌ ويدفعُنا بقسوةِ ماردٍ
نحوَ العراءْ
والليلُ يسكبُ في إناء القلبِ أوهامَ الزَّمانْ
حتى يرجِّعَها صدى معزوفةٍ
كانت معي بالأمسِ
في هذي الحقيبةِ مثلما كان المساءْ
كنَّا ثلاثةَ تائهينَ أنا
وهذا الدَّفترُ المسكينُ والقلمُ المسافرُ دائماً
من غيرِ ماءْ
كنَّا وكان الوهمُ يلفحُنا بسطوتِهِ اللعينةِ
في مهبِّ الرِّيحِ تزرعُنا
المسافاتُ السَّحيقةُ ألفَ جرحٍ
والمرايا عارياتٌ في طريقِ الأشقياءْ
ألقتْ على شفتي الحياةُ حبالَها
وعصايَ ما كانتْ معي
فمضيْتُ مسحوراً أمرِّغُ ما استطعْتُ بصدرِها
الخدَّينِ والعينينِ في هذا السِّقاءْ
حتى استوتْ سفني على الجوديِّ
تحملُ من بقاياي التي أودعْتُها
أطلالَ سنِّ الأربعينَ
وجئتُ أحملُ ما تبقَّى من حياءْ
وخلعْتُ نعليَ عندَ واديكَ المقدَّسِ
طامعاً بالعفوِ يا رحمنُ
كم من تائهٍ مثلي
على أبوابِ عفوكَ واقفٌ
خجلاً فيختنقُ النِّداءْ
إنِّي رأيْتُكَ في اخضرارِ الزَّرعِ
في شفة الرَّبيعِ
وفي ابتساماتِ الصِّغارْ
ولقد رأيْتُكَ في النُّجومِ
السَّارياتِ بلا قرارْ
إنِّي عرفْتُكَ في الصَّباحِ إذا تناثرَ ياسميناً
في جبينِ الكونِ إن هلَّ النَّهارْ
ولقد عرفْتُكَ في الجبالِ الرَّاسياتِ
وفي انبساطِ الأرضِ في وديانِها
في حبَّةٍ للرَّملِ طيَّرَها الهواءْ
إنِّي رأيْتُكَ في زئيرِ الموجِ
في رحمِ البِحَارْ
وعلى بريقِ اللؤلؤ المكنونِ في قلبِ المَحَارْ
ومعَ الأذانِ وبحَّةِ الصَّوتِ
الجميلِ إذا الدُّموعُ تناثرتْ في الفجرِ أو عندَ الزَّوالْ
إنِّي عرفْتُكَ يا إلهي إذ يرجِّعُهُ الَّذينَ توارثوهُ عن بلالْ
إنِّي عرفْتُكَ في احتمالاتِ السُّؤالْ
إنِّي عرفْتُكَ في الرُّكوعِ وفي السُّجودِ
وبعد أن ألقي السَّلامَ
على اليمين أو الشِّمالْ
إنِّي عرفتُكَ في صلاة الليلِ
في تكبيرةِ الإحرامِ في تسبيحةٍ
مرَّتْ على شفتي وغابتْ في فضاءاتِ الجلالْ
إنِّي لمسْتُكَ عن قريبٍ في انبثاقِ النَّفسِ
من بين التَّرائبِ
أيُّ ماءٍ – يا تُرَى – من غير خلَّاقٍ عظيمٍ
يُجتَبى ليكونَ إنساناً ويَحمِلَ
باقتدارٍ كلَّ ما عجزتْ أمامَ شموخِهِ
حتَّى الجبالْ
سبحانَكَ اللهمَّ يا مولايَ ما من مرَّةٍ
أحسستُ فيها أنني وحدي
بوجهِ الرِّيحِ تعصفُ بي لتنفيَني
إلى المجهولِ محزوناً يطاردُني الشَّقاءْ
إلا وكنْتَ معي أُحسُّكَ في شراييني
تُخفِّفُ ما أعاني من عناءْ
سأظلُّ أطرقُ بابَكَ الميمونَ مشدوداً إلى
آلائِهِ علِّي أفوزُ بنظرةٍ يوماً
وأخصِفُ ما يواري سوءتي
بالعفوِ من هذا البلاءْ
مولايَ إنِّي عبدُكَ الملهوفُ آثرْتُ الإيابَ
إلى رحابِكَ حاملاً وزري على
كتفيَّ يا رحمنُ ليسَ بحوزتي إلا الرجاءْ
إلا الرجاءْ ..
***

*من ديوان: تغريبة آخر الشعراء

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s