سلام حلوم: بقعة من رجال
زي بوست:
ظهيرةٌ تـئنُّ، فالجِــبالُ التي انْحَنَـتْ لهم،
هـرّتْ عن رؤوسِها عمائمُ من لهبٍ،
وعلى حقلٍ من غبار عالٍ وملتــفٍّ حول ضياعــهم المبعثرة كالثـآليل تذوبُ شمسٌ واطئة .
يصعدُ لغـطٌ على القباب،
نســـوةٌ يقرفصنَ أمام ســـيقان تعلو بأصفرها الكالح،
يفـكّ النحيبُ جدائلهنّ،
ومن صدورهنّ تنسلُ حشائشُ ورجال.
قططٌ تكفُّ عن فخاخها،
وفي النواحي القريبات يهزجُ بومٌ،
ويستعدُّ قطيعٌ من النمل ،
وبين كلّ حارتين تطلعُ بُركٌ من عتابا حزينْ
وصوبَ جهةٍ بمصراع واحد، كبابٍ خربٍ،
ينقادُ من دمعه، رتلٌ
من جبال، وماعزُ الأحراش، حنان النادبات، ورجال.
جراءٌ تتلو نباحها ،
فيرتعدُ تنكُ أحلامهم ، ذئباتٌ تشمُّ حوائجهم ،
وعلى هامش أحزانهم تدرجُ أقمارٌ ووحلٌ صغير.
الرجالُ الذين بملامح تُسرفُ بالغبش، الماثلون في الحطام ،
يتَّكئون على دهشةٍ في الجساراتِ، كي يضعوا رئاتهم خارج هذا الهواء، ثم برؤوس متهدّلة كتين ذابل،
يصعدون قنطرة من الفزع الطويل،
وثـمَّة على الماء كحياضٍ من البلغم،
يرسم عتم لهاثهم، برجاً من لهاث
الذين غادروا في الوَضح،
تركوا نساء يسحبْنَ السلالم من عناق الأسطحة كما يسحبْنَ قطن أيامهنّ من جوزةٍ تالفة،
تركوا عجائز تنامُ على فسحة الوَدَعِ، وحدهم الأولادُ،
يرقصون على خشخشاتِ الغجريات، ويقصّون بالقفزِ أشجار الرّنين
الرجال الذين استندوا إلى حائطٍ من ملحٍ وذابوا،
وتحتَ سقفٍ للغربَةِ أحدبَ، انحنى طولهم، وخلفَ ظهورهم المثقّبة كغربال،
يَبينُ طالعُ الشّجرْ.
ثمّ،
يقلُّ الفضاءُ،
يقلُّ الفضاءُ،
إذا ينتفخون كجثثٍ بائتة، وعلى أقفاص الفوانيس، تنتحر أكفّهم كالفراش
***
النص من ديوان ” كانات الرجل” عام