عبد الغني حمادة: يوميات كورونا(1)

عبد الغني حمادة: يوميات كورونا(1)

زي بوست:

تململت كثيرا قبل أن أنهض من فراشي، فليس لدي ما أفعله اليوم، سوى الذهاب لمركز البريد ( ptt )، لإرسال كتاب لأحد الزبائن في مدينة( أدنا ).
– لن يجلب الكورونا إلى بيتنا، إلا أنت أو ابنك تمام…
عبارة تكررها وزارة الداخلية، يعني زوجتي، عدة مرات كل يوم.
– تمام طفل علينا أن نعرف كيف نداريه، ، أما أنا، فمن واجبي أن أسعى لتأمين لقمة العيش…
– لكن الكورونا لا يرحم.
– لنا الله….
خرجت من البيت خائفا من أن يصدفني شخص( مكورن ) يعطس في وجهي، فينقل الفيروس إلي ويهرب.
هاتف صديقي إقبال، جعلني أحدث مهمات أخرى غير إرسال الكتاب، كشراء الكفوف والكمامات وأشياء أخرى، ولنكمل، أيضا بقية اليوم في المكتبة في حوارات تشبه( المجاقمة )، كما يقول الأستاذ إقبال.
الحقيقة، هي أننا تعودنا على شرب( النسكافيه ) يوميا في مكتبتي( شفق ) مع حوارات متنوعة، يغلب عليها الطابع السياسي حول قضيتنا السورية.
إلا أننا في الأيام الأخيرة، وبعد انتشار وباء الكورونا القاتل، أخذ من حواراتنا وقتا لابأس به، وذلك على حساب السياسة.
اشتريت علبة( كولونيا )، ثم تابعنا السير الى السوق والشوارع التي بدت خفيفة الحركة على غير عادتها. الكورونا يتردد كل من يمر، فهو في الدكاكين والزوايا والمساجد وفي المطاعم والحدائق.
ذهب صديقي إلى محل ( أبو الليرة ونص )، بينما وقفت أنا أنتظر افتتاح مركز البريد.
أكثر من عشرة أشخاص، كانوا ينتظرون، قبلي، فتح باب المركز، لدفع فواتير الكهرباء.
بعضهم، كان يضع كمامة خضراء على فمه وأنفه، اعترض أغلبهم على وقوفي في مقدمة الطابور، لكنهم سكتوا عندما علموا بأن عملي عند موظف ( الكارجو )، وليس لدفع الفواتير مثلهم.
قبل أن أناوله الكتاب، فتحت عبوة( الكولونيا )، ورششت منها على يديه، فقابلني بابتسامة تنم عن شكر ورضى، إلا أن الموظفة اعتذرت لأنها ترتدي قفازا بكفيها.
قبل أن أنجز مهمتي، داهمتني سعلة صغيرة، لا تكاد تذكر، وضعت وجهي تحت إبطي وسعلت سعلة( أكابر ) لا تكاد تسمع، سعلة بلا رذاذ، ولا ضجيج، حتى أن موظفي المركز، كما لاحظت، لم( يجفلوا )، أو يمتعضوا، فمرت السعلة بسلام، وحمدت الله لأنها مجرد سعلة قد تنتمي لفصيلة( النحنحة )، ولم تكن عطسة مدمرة!!.
أعجبتني فكرة أن أشتري قفازات نايلون للبيت، وذلك من باب الاحتياط ضد الممحوق( كورونا ).
حلف البائع بأن أسعار القفازات ارتفعت من المصنع لازدياد الطلب عليها، وبعد البحث في عدة محلات، وجدنا طلبنا من القفازات بسعر مناسب.
جائحة الكورونا جعلتنا حذرين من ملامسة الآخرين، ولذلك استعضنا عن المصافحة بالأيدي بالتحيات والإشارات عن بعد.
وأضحت الكولونيا كضيافة تقدم للزوار، كما يفعل الأتراك في بيوتهم ومحالهم.
وبعد أن جهزنا( النسكافيه ) في المكتبة، بدأنا بحوار حول المستجدات السياسية في سوريا، كان هادئا في البداية من قبل أبي جعفر، ثم تحول إلى نقاش ساخن مع أبي المجد، تخلله جدال لدرجة التوتر في بعض مفاصله من قبل أبي عمر.
وبين فنية وأخرى، كما نتبادل آخر أخبار الكورونا المخيف.
وكنت أسرق نفسي من النقاشات لأسمع التسجيلات من صديقتي عبر الحدود، وهي تشكو الملل والضجر، وقسوة الحياة في المخيمات، وأرد عليها بتسجيلات صوتية عن وباء الكورونا، فتسخر ضاحكة:
– بلا كورونا، بلا بطيخ، الحياة هنا أقسى وأخطر من جميع فيروسات الكون.
قبل أن نختتم الجلسة، سمعنا بأن حظر التجوال سيطبق في جميع أنحاء تركيا، لذلك كان علينا أن نستعد لعزلة إجبارية في البيوت، ولكن قبل ذلك علينا أن نؤمن بعض الاحتياجات الضرورية قبل حظر التجوال…
مع أفول شمس اليوم ومع إغلاق المكتبة، جاءني صوت زوجتي، وبلهجة حادة:
– الحق ابنك تمام… الحقه بسرعة….

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s