د. عبد الرزاق درباس: ضبع تل النار والكورونا
زي بوست:
ما إن يحلّ ليل الشتاء بسواده الموحش وطوله المملّ حتى يتجّمع أهل الدار في غرفة حول المدفأة ويتعشّون وتبدأ بعد صلاة العِشاء حكايات الكبار للصغار، على ضوء بلورة الكاز، حيث لم تكن الكهرباء قد وصلتنا بعد، ولا نعرف ماهو التلفاز، وحين تلبس الدنيا ثوبها الأبيض يكون بطل الحكايات ذلك الضبع المختبئ في أحد كهوف تل النار حسب روايات من شاهدوه أو سمعوا عنه، الأمر الذي يجعلنا نحن الأطفال لا نجرؤ على الخروج للدكان أو الجيران ليلاً، ونعتبرُ الآباء العائدين من صلاةِ العِشاءِ في المسجد أبطالاً، ونحسب كل حركةٍ حركتَهُ، وكلَّ شبحٍ هو الضبع المترصد بنا، وفي الصباح نتتبّع أثر الكلاب والقطط على الثلج ونقول هذا أثره، وتكبر القصة فيقول أحدهم إنّ الضبع طرق البابَ عليهم لكن أباه أطلق النار عشوائيا فهرب، ويطول تحديقنا نهاراً بين أشجار الزيتون والثلج علّنا نراه يتحرك دون جدوى.
كنا نتخيّله كالكلب الضخم أو كالثّور أو كالكبش ذي القرون القوية، لكنه سريع في الجري خبير في شمّ رائحة البشر، وتختلط الحقائق بالأساطير في صفوف المدرسة وجلسات النساء ودكاكين القرية، وتتضخّم الحكاية كلّ ليلة بما يردفها من نشاطات الضبع في أمكنةٍ أخرى، وروايات عابري السبيل من القرى المجاورة.
أقول ذلك وأنا أتابع أخبار الضبع العالمي الجديد (كورونا) الذي صار حديث الناس واختلط في سيرته الحقيقي بالواقعي والجِدّيّ بالساخر، في عدوى مخيفةٍ للبشر على كل المستويات كخوفنا ونحن أطفال من ذلك الضبع الذي ما رأيناه لكننا عشنا حكايته.
تل النار ( الصورة ) وحيدٌ الآن خالٍ من أهله الذين دهتهم نكبة التهجير القسري نحو الشمال في تبعاتِ الحرب القذرة المجنونة، والآن موسم حراثة الأرض وتقليم الأشجار وتعشيب الكروم وروعة الطبيعة واخضرار الربيع، وحكايات التعب والحب والأمل بموسم صيفيّ قادم.
سطور أكتبها من وهج اشتياقي لقريتي (ركايا كفرسجنة) جارة تلّ النار وأهلها، وتداعيات حالة الناس في زمن كورونا، الذي حبسهم في البيوت وشلّ حركة العالم المترامي كما شلّ ضبع تل النار حركة أطفال القرية في ليل الشتاء المظلم المخيف الطويل.
المصدر: صفحة الكاتب في فيسبوك