محمد المصري: في أي عام نحن؟

محمد المصري: في أي عام نحن؟

زي بوست:

يشير تقويم جوالك وربما توقيت جهازك المحمول و تلفازك و ساعة يدك أيضاً إلى يوم ما في العام 2020 و هو التقويم الذي اعتمده الرومان (يوليوس قيصر تحديداً) منذ أكثر من ألفين و خمسين عاماً ثم سمي بالغريغوري نسبة للبابا غريغور الثالث عشر الذي قام بتعديله في القرن السادس عشر وتبعته أوربا تدريجياً ثم المستعمرات الأوربية وباقي أنحاء العالم لاحقاً…

لكن ما هي نقطة الصفر في هذا الزمن الممتد منذ الأزل إلى مالانهاية ومن يحددها؟

يعتبر ميلاد السيد المسيح (ع) بالنسبة للعالم اليوم و للغرب بشكل خاص و للمسيحيين على وجه التحديد نقطة البداية والحدث الأهم في تاريخ البشرية والتي تجعل, حسب ذلك التقويم الغريغوري, من كل حدث حصل قبلها رقماً سالباً أو رقماً في عالم ما قبل بدء عملية العدّ. لتصبح كل الأحداث التي حصلت قبل ولادته خلال مئات الآلاف من السنين التي أثبت العلم تواجدنا خلالها كجنس بشري على الكوكب عبارة عن أرقام تحت نقطة الصفر في التاريخ والتي كانت ولادة السيدة العذراء للمسيح عيسى (ع) Before Christ (BC) و بالتالي تصبح الأعوام من بعدها أعواماً محسوبة من التاريخ, حسب تقويم الكنيسة الكاثوليكية, ولذلك ترمز Anno Domini (AD) والتي تعني باللاتينية عام سيدنا Year of our Lord … لأجيب عن سؤال تاريخ تولّدي بأني شخص ولدت بعد أن ولد المسيح ب 1986 عاماً على سبيل المثال…

بالنسبة لمناطق كثيرة حول العالم و لفترة طويلة من الزمن اعتمدت بلدان كثيرة أثناء ازدهار الحضارة الإسلامية التقويم القمري الهجري حيث اعتبر المسلمون في القرن السابع الميلادي الهجرة النبوية نقطة الصفر والحدث الأهم في تاريخ البشرية و رأوا أنها بداية التحول في ظهور الدين الجديد الذي آمنوا أنه ختام الرسالات السماوية و أقره الخليفة عمر بن الخطاب (ر) حينها وعليه فإننا اليوم في عام 1441 بعد هجرة النبي محمد (ص).

في كلتا الحالتين السابقتين كان التقويم عالمياً يهدف لنشر التقويم بنوعيه الشمسي و القمري و حث الآخرين على اعتماده أيضاً لكن في حالات أخرى كالتقويم الياباني مثلاً لم يكن هناك سعي جدي لنشر التقويم و اعتماده في أماكن أخرى حول العالم خاصة أن اليابان بقيت و لفترة طويلة جزيرة معزولة لا ترغب بالانفتاح على العالم و لا ترحب بأي من القادمين من خلف البحار خاصة الغرب منهم فكان لديهم تقويم مختلف تماماً يعتمد على مة بقاء الإمبراطور سليل الإله على العرش و في هذا التقويم الامبراطوري يبدأ التأريخ يوم تولي الإمبراطور عرشه لينتهي عصر و يبدأ عصر جديد و شهدنا في العام في اليابان انتهاء العام 31 من عصر السلام Heisei و بدء العام الأول من عصر التناغم Reiwa بعد تربع الإمبراطور الياباني الجديد على العرش.

كثيرة هي الأشياء الممتعة والتي لا تخلو من التناقضات في الأبحاث التاريخية المتعلقة بمفهوم عدّاد الزمن أو التقويم بتفاصيله و انواعه و تشعباته لكن موضوع التأكد من دقة كل منها مهمة شبه مستحيلة لارتباط كثير من تلك الأنظمة حول العالم بمعتقدات دينية لا يمكن المساس بها عند أتباعها, و لوجود انقسامات كثيرة داخل كل أتباع دين و ملة أيضاً ولذلك نرى العديد من التقوميات المسيحية على سبيل المثال. قد لا نكون قادرين على الجزم في دقة أي منها, خاصة المتعلقة بميلاد أو وفاة أحدهم أو حتى نزوله من الشمس, لكننا اليوم وعلى سبيل التغيير في العام 2564 حسب التقويم البوذي المتعارف عليه في العديد من دول جنوب شرق آسيا و في العام 6770 حسب التقويم السرياني و في عام الفأر 4718 حسب التقويم الصيني و في العام الأرميني 1469 وفي 5780 تبعاً للتقويم اليهودي بينما لا زلنا في عام 2013 حسب التقويم الأرثوذوكسي الإريتيري\ الاثيوبي وفي عام 177 حسب التقويم البهائي إضافة لأكثر من ثلاثين عاماً آخر مختلفاً حسب تقوميات أخرى منتشرة حول العالم.

بعد قرنين و نيف من صعود العلمانية الأوربية و مع النمو الاقتصادي في القرن العشرين و تذمر الأوربيين من الكنيسة وما تمثله ظهرت محاولات للاستغناء عن هذا التقويم واعتماد نظام تأريخ لا وجود فيه لذكر السيد المسيح واستبدال الرموز ذاتها ب Before Common Era(BCE) و Common Era(CE) رغبة منهم في اعتماد رموز أخرى غير دينية لاقت استجابة من المجتمع العلمي و البحثي في كثير من الدول. ونتيجة العولمة و صعود التقنية في هذه الأيام, بدأ كل جزء من العالم بالاستغناء, طوعاً أو كراهية, عن محاولة فرض التقويم الخاص به و الاكتفاء باستخدام التقوميات الخاصة به في المناسبات الدينية والثقافية في أغلب الأحيان. لكن يبقى السؤال يا ترى لو ظهرت اليوم محاولة جديدة لإعادة كتابة التاريخ اعتماداً على تقويم علمي جديد و أتيح لنا اعتماد حدث جديد آخر كنقطة بداية مختلفة عن الأحداث التي سبق ذكرها, فماذا سيكون هذا العام يا ترى؟

ربما سيأتي يوم ونعتبر أننا اليوم في العام الثاني والعشرين بعد غوغل 22 After Google (AG) مثلاً, كما سمعتها أول مرة من رائد الصحافة و الإعلام الرقمي السويدي مارك كومرفورد حين قال لنا أن عام تأسيس غوغل 1998 هو في الواقع نقطة التحول الأهم في تاريخ البشرية بعد إتاحة المعرفة و المعلومات لكل سكان الكوكب وعليه فإني كفرد مطيع لا خيار لي إلا أن أتبع ما يقوله لي المؤرخون و القادة الدينيون والتاريخيون على أتم الاستعداد لحفظ تاريخ جديد إضيفه إلى Showa 61 الذي أستخدمه في الوثائق الرسمية هنا, فأكتب من حينها فصاعداً أن هذا المواطن السوري المشرد من بلد لآخر قد ولد في العام الثاني عشر بعد غوغل 12 Before Google (BG) أيضاً, أو ربما يزداد الوضع سوءاً و تحصل تغيرات اقتصادية عالمية كما يتنبأ الكثيرون اليوم فنكون حالياً في الشهر الخامس من السنة الأولى ما بعد كوفيد 19 After Covid …
تخيل كم سيكون سهلاً علينا أن نحفظ التقويم الجديد AC 1 أيضاً فنكون فعلاً الجيل المحظوظ ((أو سيء الحظ ربما )) الذي حضر نهاية كل التقويمات العالمية السابقة ولو لم نشعر بذلك و شهد و يشهد بداية تقويم علمي و طبي جديدين و عصر آخر بملامح مختلفة والذي قد يحضر نهاية العالم بكل تقويماته كما يتوقع, أو حتى يأمل, البعض الآخر.

*الصورة لتقويم xiuhpohualli أو حجر الشمس الذي بقي أثره من حضارة الأزتك (في المكسيك حالياً) و الذي كان يستخدم في عد أيام السنة ال365 موزعين على 18شهراً و هدفه تنظيم الزراعة والطقوس الدينية

*المصدر: صفحة الكاتب في موقع فيسبوك

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s