إبراهيم شاهين: محمود الزعبي وشريكه كارل ماركس

إبراهيم شاهين: محمود الزعبي وشريكه كارل ماركس

زي بوست:

/كيف سقينا الفولاذ/ العَقِب الحديدية / رواية الأم/ شدّو الهمة.. الهمّة قوية / ، هؤلاء وغيرهم كانوا ومنذ صغري عوالم ساهمت بتشكيل إحساس خاص في داخلي نحو اليوم الأول من أيار وعيد العمال، وكنت بانفعال وشجن، أتخيل أن ثياب العمال الزرق ومفتاح الشق الـ (14) ، عاجلا أو آجلا سيصبحان في يوم ما قريب، راية العالم ، كل العالم قاطبةً، وفي هذا اليوم القريب أيضا سيسود العدل والوئام الطبقي، وستتحول الدنيا إلى جنة للبروليتاريا والزنود السمر، وربما يصير شتاؤنا مثلج مثل موسكو ، وقد يظهر عندنا شخص يشبه مكسيم غوركي يجلس في الاحتفالات الوطنية في مقعد علي عقلة عرسان أو بجانبه على الأقل.

واستمر الحال هكذا لسنوات، أحلام حمراء ورايات خفّاقة.
إلى أن قام الراحل (محمود الزعبي ) الذي بقي رئيس وزراء لسوريا من لمّا كنا صغار حتى صرنا آباء، بزيارة معمل البسكويت القريب من مدرستنا في مخيم اليرموك، يومها وبإشراف مدرب الفتوة الذي رأيناه لأول مرة ملمّعاً حذاءه ويحمل البارودة الروسية دون أن يطلب من أيٍّ منّا فكها و تركيبها، تمّ سَوْقنا من المدرسة إلى المعمل لنكون نحن جماهير الشعب التي ستستمع للرفيق الزعبي، وستصفق له كلما أشّر لها أستاذ الفتوة، و أذكر أن بعد وصولنا بساعات، جاءت مجموعة من المرسيدسات والبيجوات، نزل منها مجموعة من لابسي ربطات العنق، وقف بعد قليل محمود الزعبي خلف طاولة مغطاة بعلم سورية وعلم البعث، صفقنا له ولما أشر لنا أستاذ الفتوة سكتت أكفنا ليقول الزعبي في غمرة الاحتفال: نحن العمال… . .
داخ رأسي و صدمت عند هذه الـ (نحن ) ، وبلا طول سيرة، صرت بعدها أتخيل العمال تبع واحد أيار كلهم يشبهون محمود الزعبي وجماعته أصحاب ربطات العنق، يرتدون بدلة العمل الزرقاء لكن مع ربطة عنق، أما جنة البروليتاريا فصرت أتخيلها مكانًا شبيهًا بمعسكر الطلائع. دائماً فيها شخص يحمل عصا ويقف في وسط ساحتها ، وبدل راية المطرقة ومفتاح الشق 14 ، كانت دائما صورة الرئيس ، قبل أن يصير خالدا ، هي الحاضرة ، فأشعر بالحيرة وبشعور آخر اكتشفت فيما بعد أنه خيبة الأمل.

ومن يومها لليوم، اختفت الرايات الخفّاقة والطبقات فاتت ببعضها البعض والزنود السمر أيضا اختفت، وصار عيد العمال عندي هو يوم العطلة الذي نفك فيه الصربيات ونلم السجاد الشتوي عن أرض البيت.
وفي سري دائماً كنت أشكر العامل المزمن محمود الزعبي، فبفضله اكتشفت مبكراً حقيقة كانت غائبة عني، ولأنه نوّر طريقي أكثر من /مكسيم غوركي / و /ماركس/ و /كيف سقينا الفولاذ/ و /العقب الحديدية / مجتمعين.

ومازال الوطن حر والشعب سعيد.
وياعمال العالم: يا حسرتي عليكم و آخ منكم.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s