رانيا يوسف: كانت رسالة الله قاسية
زي بوست:
في ذلك اليوم الذي لم ندرك فيه أن تلك الإشارة ستتحقق في وضح شمس يومٍ ببرودة حديد بعد عقود من الزمن.
لازال ذلك المشهد قريباً في الذاكرة
حين صرخت أمه أمام النهر الأسود الحدودي الفاصل بين ربيعنا وزمهريرهم.
صرخت باسمه معتقدة أنه يغرق ومتأكدةً أن صوتها سيكون طوق نجاته.
كانت ستتحول رحلتنا الصيفية لغيمة سوداء عاقر لولا أن أطل “م” من ورائها مغشياً من الضحك.
ولولا أن النهر اكتفى بابتلاع كيسٍ أسودَ ليس إلاّ.
بقينا لسنوات نقص تلك الأحدوثة ونقهقه عالياً فرحاً بكل شيء
“فقد كان كيساً أسود و لم تكن أنت الغريق”
لكن رسالة الله القاسية أرجئت فقط سنوات عشرين ليختفي “م”
ليس غرقاً
ولا أي نوع اختفاء عرفناه
اختفاءٌ دون ملامح
كأنما بحرٌ قضم جزيرة بعد هجمة فلكية
يقيننا الوحيد هو أنه في زمهريرهم
نتبصر بين الفينة و الأخرى
علَّ أحدهم يأتينا بريحه
لنصدقه
نريد أن نصدقه
لكن و برفة عين يتبين لنا أنه يرتدي عباءة كذبة تجارية
نسرد أقصوصة اختفاء “م” مراراً
بينما نحن نشرع الأبواب والنوافذ على درفتيها
راجينَ أن يظهر ضاحكاً من ورائنا
“كما فعل عند النهر الأسود الحدودي الفاصل بين ربيعنا وزمهريرهم”
لا نلتفت بسرعة لئلا يفزع بل ربما لئلا نفزع نحن، نعطيه وقتاً كافياً ليرتب حضوره
ثم نلتفت، فلا نجد إلاّ ظلّنا
أيها ال “م”
لعلّك تسمع
لعلّك تقرأ
لعلّ الريح تحمل لك صوت أمك
تمسك به جيداً فهو مازال طوق نجاتك
انفض عنك كل قيودهم إن استطعت وتعال ضاحكاً مرة أُخرى لتخبرها أنك أنت رسالة الله الحقيقية