علي صالح الجاسم: ﻷنَّكِ الشَّام

علي صالح الجاسم: ﻷنَّكِ الشَّام

زي بوست:


بـي كـلُّ هـذا الـذي تدرون من نزقي
فـكـيف أسـلـم مــن دوّامـة الـطّرقِ؟

أجـري وتـجري مـعي الأمداء مرهقةً
وخـافـقي طـافـحٌ يــا دربُ بـالـرّهقِ

أجـــري وتـحـمـلني عـشـرٌ وأحـمـلها
ولـيـس مــن أمــلٍ أرفــو بـه مـزقي

مـــذ كــان طـفـلاً ويـغـريني تـدفُّـقُهُ
نـبعاً عـلى شرفة الأحلام في المُؤَقِ

قـلـبـي الــذي يُـتَّـقَى بـركـانُ ثـورتـه
مـا زال حـارسَها الأوفـى مـن الـغرقِ

مـــا زال يُـشـركـها فـنـجـان قـهـوتـه
عـند الـصباح وفـي إرهـاصة الغسقِ

عــشـرٌ مـضـينَ بــه تـتـرى لـوافـحُها
عـلـى شـرايـينه نـهـرين مــن حُــرَقِ

ومـــا يـــزالان رغــم الـنّـار واسـطـةً
فـي عقدهـا انتثرا صبحين مـن حبَقِ

يـلـوّنـان ســمـاء الـــرّوح يـــا بــردى
ويـؤنسان دمـشق المجد في الحدقِ

عــشـرٌ مـضـيـنَ وتـكـويني دقـائـقُها
أمـــرُّ مـــن نــفـقٍ مـضـنٍ إلـى نـفـقِ

تـنـاهبتْ جـسـدي كـلُّ الـضّباع ولـم
تـكبحْ تـدفُّقَ نـهرِ الـقلبِ فـي الشّفقِ

تـسـابقت أمــمٌ فــي خـنـق أوردتـي
وحـكّـمـتْ كـــلَّ زانٍ بـــي ومُــرتـزَقِ

ولـيـس فــي نـخوة الأعـراب بـاقيةٌ
لـكي يذودوا بها السّكّين عن عنقي؟

مـهدُ الحضارات سيقتْ نحو مقصلةٍ
ذبـيـحةَ الـغـدر مــن دودٍ ومـن عـلَقِ

ومـــا فـتـئتُ عـلـى أسـوارهـا لـهـجاً
بـإسـمـهـا أرتــويـهـا لــهْــفَ مُـغـتـبِقِ

تـنـازعـتْـنـي إلــيــهـا كــــلُّ غــاديــةٍ
مــن الـنـسائم حــدواً مـتـقنَ الـنّسقِ

وكـلّـما شــفّ لــي هــذا الـمـدى ألِـقاً
وجـدْتُ مـن عطرها زخّاً على ورقي

ﻷنــك الـشّـامُ شــامُ الأرض أجـمـعها
ﻷنـــك الــزّمـنُ الآتـــي مـــن الـعـمُقِ

ﻷنـــك الـغـيـثُ يـحـنـو فـــي تـنـزُّلِهِ
عـلـى سـهول فـؤادي عـطف مـرتفِقِ

ﻷنـــك الـصـبـر مــا أيــوبُ مـمـتحَنَاً
بـما لـقيتِ بـأمضى مـنكِ في السَّبَقِ

ﻷنّـــكِ الـمُـبـتدا فـــي ســفـر عـزّتـنا
ﻷنّـــــكِ الــخــبـرُ الــفــوّاحُ بـالـعـبـقِ

ﻷنّـــكِ الـمُـرتجى مـهـما بـنـا بـعُـدتْ
تـلـك الـمـسافات مـن دربٍ ومـفتَرَقِ

ﻷنّـــكِ الـمُـلـتجا فـــي لـيـل غـربـتنا
مــن كــلِّ غـائـلةٍ تـنـداح مــن شَـهَقِ

ﻷنّـــكِ الأخـــتُ يــا فـيـحاءُ حـانـيةً
ﻷنّــكِ الأمُّ فــي لـيـل الـضّـنى الأرِقِ

ﻷنّــــكِ ابــنـةُ مـــروانٍ .. وأحـسـبُـنا
أبــنـاءَ سـيّـدةِ الأمــداء فــي الأفــقِ

ﻷنّـــكِ الـحـلمُ الأزكــى مـنـىً ورؤىً
مــن زهـرة الـعمر حـتّى آخِـرِ الـرّمقِ

ﻷنّـــكِ الـشّـعـرُ مـوسـيـقى وقـافـيـةً
عـلـى شـفـاه الـمـدى تـنـهلُّ كـالودقِ

ﻷنّــكِ الآنَ إن نـاديـتُ مــن وجـعـي
” يـامو ” وقـفتِ بـلا وعي منٍ القلقِ

هـا نحن يا شامُ أطعمنا الرّدى مُهجاً
بـمـثل طـعم دمـاها الأرضُ لـم تـذقِ

ومـــا تــردّد نـبـضٌ هــاج فــي كـبـدٍ
فـي أن يـكونَ فـدى زيـتونِكِ الورِقِ

مــتـوّجـون بــزهــر الــغـار مـكـرمـةً
مـشـرّبـون بــلـون الـــورد مــن ألــقِ

مـحـمّـلون عــلـى أكــتـاف مـحـنـتنا
نـعـاند الـرّيـحَ فــي غـلـوائها الـحَنِقِ

مـحـطَّمون .. صـحـيحٌ غـيـرَ أنَّ بـنـا
مـن فـضلة الـرّوح مـا يُغري بمُنطَلَقِ

هنا الجذورُ .. هنا أطيافُ من سبقوا
هــنـا دمــشـقُ .. هـنـا بـوَّابـةُ الـفـلقِ

*مختارات

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s