كتب يزيد عاشور عن الشعر وألقاب الشعراء واختصاصاتهم

كتب يزيد عاشور عن الشعر وألقاب الشعراء واختصاصاتهم

زي بوست:

إلى حد ما أعتبر نفسي قارئاً جيداً، فعادة ما تُعجبني اللغة المُبدعة وتفتنني الصورة الذكية، وربما كان شغفي هو الدافع وراء البحث عن لغة فيها إيقاعات مختلفة حين أشعر بالضجر من تلك اللغة المُقاسة بالمسطرة حتى لو كان الفحوى يستحق الاهتمام، وتعودت كلما شعرت بالملل من قراءة مقالة بكلماتها المزينة بربطات عنق بألوان فاقعة ومُنشاة بعناية كقبات قمصان الساسة أرتدي قميصي الفضفاض وأتسكع بين صفحات الشعراء.

بصراحة نادراً ما أشعر بجمال صورة  تجعلني أُعيد قراءتها مرتين مثلاً، فالتشابه بالمفردات والصور عادة ما يُذكرني بجريدتي البعث والثورة، ولم أكن أعلم أن للشعراء تخصصاتهم ولا يلعب شاعر بملعب شاعر أخر أسوة ببقية المهن كالطب أو الهندسة مثلاً، فلا يقحم المهندس المدني أنقه في أعمال المهندس الكهربائي ولا يقترب الكهربائي من مهندس الميكانيك فلكل مساحته كما يفعل الأطباء عادة، فمن غير المقبول أن يصف لك طبيب اختصاص داخلية نسائية أطفال وصفة لمرض البواسير مثلاً، الا اذا ارتأى أن هناك علاقة ما بين الأمرين،  حتى أن التخصص في الطب تشعب وتعقد وأصبح أكثر دقة، فاختصاص الأذن أنف حنجرة تم تفصيله ليُصبح أذنا على حده وأنفا منفصلا وحنجرة  قطعت قناة أوستاكي أو نفير أوستاش بينها وبين صديقيها  الأذن والأنف، ولم يعد ثمة علاقة بهما فقد يحدث أن تسشير طبيبا عن الزوائد الأنفية مثلاً  فيرد مُعتذراً: كان من عيوني يا حبيب بس أنا شغلتي أذن! أي شيء تحتاجه من الأذن من عيوني أحطلك حلق! أقصر أطول أغير مكان المطرقة والسندان أركبلك مطرقة ديجتال من عيوني غير هيك شغلتك مو عندي واذا بدك  شغل نضيف بالأنف مالك غير المعلم أبو مروان يلعب بالأنف لعب.

وهكذا صار للشعر بطون وأفخاذ بعد العشيرة والقبيلة فتطورت مدراس الشعر من المدرسة الرومانسية والواقعية وأبولو ليكون هناك تخصصات أكثر تفصيلاً فكانت مدرسة التجديد بعد أبولو، ودخلت معترك الحداثة فولد شعر التفعيلة والشعر الحر، ولأن تلك المدارس لم تستوعب كم الابداع المتدفق للشعراء اضطروا للاستعانة بمدارس جديدة فأبدعوا ما يُسمى بقصيدة النثر! أي نعم نثر كما لو أن في كفيك حفنة من الكلمات كأنها حبيبات قمح وتنثرها على جمهور الحمام.

كل ذلك مقبول طالما أن هناك  تمييز ما بين شعر شاعر وشعر بلا شعور ولكنني لم أكن أتصور أبداً بأن تخصص الشعراء سيتجاوز كل تلك المدراس ويُصبح شعراً له علاقة  بالمناصب، مثل  الشاعر ملك القوافي وعادة ما تُطلق على  شاعر موزون الفصيح من جماعة الطويل والمديد والوافر شغل مفاعلتن مفاعلتن فعولن،  وأمير القافية بلا قافية ووزير الصدر والعجز والعجز هنا لا علاقة له بالإعجاز بكسر الألف كما يبدو للوهلة الأولى وليس من مشتقات عجز عدم المقدرة، فالعجز يسبقه الصدر وما هو إلا توصيف ايروتيكي تميزت به الثقافة العربية، فنحن أمة نحترم الصدر صدر المجلس لعلية القوم، صدر منسف الثريد، صدر أمرأة، صدر فروج، وهكذا شأن كل الصدور أما العجز فحدث ولا حرج.

وهناك طبعا شعراء الجغرافية والتوقيت الزمني والطقس مثلاً، نعم نعم  لا تستغرب
هل تصدق أنني  قرأت منذ يومين عن شاعر وصف نفسه بشاعر السهول  وصبية قدمت نفسها باسم شاعرة الرذاذ وشاعر باسم شاعر الوديان وشاعرة الغزلان شاعر المطر وشاعرة الغيوم الحزينة شاعر الألم شاعرة الغروب وشاعر مابعد منتصف الليل؟!
وللعلم فأن أغلب هؤلاء المبدعين والمبدعات من فصيلة الشعر الحر والنثر الحر والتفعيلة الحرة وكل تلك الإبداعات بكوم وكارثة الهايكو بكوم  حيث لم يكتف شعراؤنا بكل تلك التخصصات فأجبرهم إبداعهم على استعارة شعر الومضة فقلدوا  ماسا أوكا شيكي وكوباياشي بقصيدة الهايكو واعتبروها بضاعة يابانية أصلية بتجميع عربي تماماً مثل مازدا وميتسوبيشي،  ولكن الشعراء العرب لم ينسوا وضع لمساتهم العبقرية على الهايكو فبدلاً من أن تكون مفردات بسيطة عفوية دون تحضير تعمل على تحريض صورة محددة في ذهن المتلقي،  قرر الشاعر العربي أن يقدمها كما لو أنها وجبة مقلوبة رأساً على عقب كي يُشعرك بأنك قد ارتديت البيجامة بالمقلوب مثلاً أو يضعك في غرفة مغلقة وبابها مقفول وقبل أن تفوت بأقرب حائط يقدم لك مفتاح الباب بكلمة أو كلمتين كأن يقول  ترقص فوق الجمر لا تحترق ! … ثم قبل أن تحاول فك اللغز يكتب لك الجواب  بكلمة واحد (صرماية)  أو يجعلك تلتقي صدفة  بمؤخرة تمشي وحدها على الطريق وقبل أن تحاول البحث عن صاحب تلك المؤخرة يطل الشاعر المُدهش ماداً لسانه  ضاحكاً ويقول هاااا خدعتك وجعتلك تدوخ السبع دوخات بحزورتي صح؟  ثم يقدم لك الجواب كأن يكتب:
القفص الصدري ينقل الأحزان ما بين المحطات وقبل أن تقرأ المعوذات و تحاول فك اللغز يعالجك من فوره بجملة من كلمة أو كلمتين فيكتب (سكة قطار)  لتصبح  قصيدته كالتالي:
القفص الصدري ينقل الأحزان ما بين المحطات…… سكة القطار
الغريب هو أني حين أشعر بالضجر من المقالات بلغتها الجافة الباردة أهرب للشعر ومن الشعر الذي يجعلني أشعر باسهال أهرب لأقرب دورة مياه.

*مختارات
*المصدر: صفحة الكاتب في فيسبوك

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s