إبراهيم شاهين: هَوَس
زي بوست:
تخلّى منذ زمن عن عادة عدّ المقاعد الفارغة أو الممتلئة بالجمهور ، أيهما أسهل.
دائماً يجلس في العتمة خارج الكادر.
لا يصفّق، لا يصفّر ، لا ينفعل مع ما يحدث على الخشبة، ولا يقف محييّاً .
يبدو مرتاحاً في تواريه،، يمر به الممثلون بلا اكتراث، و لا يمكن أن يراهُ أحدٌ من المتفرجين، ولولا الغبار الذي يعلق على كمّه وكفيه من بطانة الستارة الخمرية الكبيرة وهو يفتحها عند بدء العرض ، لا دليل على وقوفه في الكالوس اليميني لأقدم مسرح في المدينة.
و لأنه اعتاد الأمر ، لم يعد يضع يده على عينيه حين تسطع الإضاءة على الخشبة.
وجهه بارد بلا ملامح ، حتى في لحظات التوتر أو اللحظات الحالمة مع موسيقى الكيتار أو الكمان، فإنه لايبدو عليه الانفعال ولا حتى القليل من شرود الذهن مع الموسيقى حين تملأ فضاء المكان .
ثابت في مكانه ، يرفع الستارة ويجلس في العتمة و لا يفعل شيئاً..
في كلّ ليلة في ذات المكان ، مكان دخولك إلى الخشبة ، تمرّين بقرب العتمة الجالس فيها، يعلم أنك متوترة ولن تلحظينه.
تدخلين لتبدأين بأداء دورك على خشبة العرض ، يسرع لرفع المقشّة النائمة على الأرض.
بعد أن تمرّين فوقها ، يرفعها بسرعة قبل أن يمر فوقها أحد غيرك، يمضي إلى غرفته ( المستودع الصغير) ، يرتدي (الأوفر أول ) الأزرق ، يتلمس عصا المكنسة الطويل، يداعب الجزء الذي يظنّ أن قدمك على الأغلب قد مرّت فوقه، يخرج من غرفته ، يجلس في عتمة المكان الذي يعرف جيداً أنك ستخرجين منه عند نهاية المشهد الأخير ، يرمي المكنسة ، مرةً ثانية تمرّين فوقها، يلتقطها، يداعبها، و يبقى في مكانه ، عصا المكنسة تستند إلى كتفه، يغمض عينيه، يعزل صوتك الذي يختلط بأصوات باقي الممثلين، يقرب فمه من عصا المكنسة، يُودعه أمنيةً لعرض الغد، و يظل في العتمة منتظراً خروج آخر المتفرجين .