
ريزان علي حبش: في الصباح الرمادي
في الصباح الرمادي
قمتُ فجراً شاباً للصبحِ العجوز
أتنفسُ ببطئٍ كهرمٍ يلتقطُ الجدران ليركبَ قدمين
وذاك العُكازُ استغلني حتى تقشَّرت يداي عليه
أنظرُ في وجهي الرمادي الملتصقِ بالمرآة
وكأنهُ يأبى الخروج لقُبحهِ المنسي في خطوط الدخان المهاجر
ألتف بعُجالةٍ من قدري… يلتفُ هو
أحركُ رأسي …. فيُحركُ رأسه
أحككُّ أنفي كمدفئةٍ منسية
يحكُّ أنفه
أحدِّقُ … يحدِّقُ
أسمعهُ …. يسمعني
قلتُ: من أنت
قال : أنا أنا
وصمَت
لتكون إذاً أنت
غطيتُ وجهيِ بماءٍ مكررٍ للمرة الألف بعد المطر
غطِّى وجههُ
مشيتُ نحو الدرج … مشى نحو الدرج
خِفتُ …. خاف
رنَّ جرس الباب مقاطعاً وحشتنا الأولى
قلت : من ؟
و رنّْ الجرس
خرجتُ … خرجَ هو
أرتطمتْ الريحُ بشعري
قلت : أخرج من داري
من أنت ؟
صمت …
ركضتُ … ركض
لهثت …. لهث
تسارع قلبي أمامه
وتسارع قلبه خلفي
يمسكني من الطرف الشمالي
كطفلٍ يتمسك بطرف الثوب
كي لا يضيع
توقفتُ … مفاجئا له
وضعتُ يدي في جيبي باحثا عن قلم
نظرتُُ إلى وجهي هناك كان في وجهه
قلت : من أنت ؟
قال أنا أنا
قلت أنا أنا فمن أنت ؟
هواءٌ ساخن دخلني
كريحٍ في غرفة نبي
دخلني وكأنما غيماً اصطدم بي
بلا مطر
غمامٌ جاف
صوتٌ يشبه الموتَ المفاجئ
تسارعت الأصواتُ نحوي
كخيلٍ قُتِل فارسها
أهربُ وأهربُ وأهرب
لكن القذيفة أسرع
والموت أسرع
سقطتُ على الأرض
قلت من أنت ؟
قال أنا أنت
خرج مني بكاءُ الطفل
قال لي وهو يصارع شظايا القذيفة :
لو لم أكن في بطن الريح في تموز قبلُ … لكنتُ أنت
لو أن الزفافَ لم يتم والعصافير كانت مناماً رمادياً .. لكنتُ الآن أنا أنت
لو لم تمتطي ظهرَ أبيك كفارسٍ جبان ٍ يخاف السقوط … لكنتُ أنت
لو لم تكن البصَّارة تقرأ فنجاني ذات ظهيرة وتنبأت بي لأمي لما كنتَ أنت
قلت انتظر انتظر …
قال قدر
لو لم تقرأ من ذاك الكتاب والقهوة على صحن الجمر
لما كنت أنت بي تمر
قلتُ انتظر
خطوطُ الريح ترسم وجهك القذر
لو لم تتدل عناقيد العنب
لما كنت شربت من ريقك الخمر
قلت : انتظر
قال : اتركها
أمسكت السماء بنعلِ عيني
كان الموت يتسابقُ عليَّ
شهيقا ًوزفيراً
قلت انتظر
أمسكَ يدي ومسح جبيني المنتصر
يملؤني وأملؤه
هذيان غثيانٌ ارتجافٌ
الآن
بين العلوِ وبيني صوت طائرةٍ
ترميني بحجارة
سقط كل شيء
حتى العناوين
وخشب النجارة
وصنبور الماء القديم فقد الاستعارة
قلت انتظر
مجنونٌ
صمتٌ سبقني كأني أنا المجاز
كأني العتبة
لو لم أكن أنا الآن
لكنت ذلك الستيني
الوحيد أمام المرآة
تركني فتركتهُ
أصواتٌ هنا وهناك تصرخ
مسكينٌ هذا العجوز
أما كانت تعرف غيره الطائرة
وتفقدوا حقيبتي
ومحفظتي
وقلمي
غفوتُ ليومٍ واحد
فحلمتُ أني أنا أنا
والذي خلفي استشهد بحلمِ طائرة
وشيعوني لمثواي الأخير
كبَّروا علي
ترحموا علي
تركوني وحيداً
أرفع جبيني فأخرق بصوتي الجدارَ
رجعت َ ياحُلم الطفولة
هربت ..
وضاعت في قبرك كل الزيارة
كتب على الشاهد الجديد
بقلمٍ من حديد
طفلٌ كان أمام الطائرة
يا خسارة عمرِ المغيب
لو لم أقف ذلك الصباح
كنت أنا أنت
وكنتَ أنت قتيلاً تحت عويل الطائرة
هكذا أكملتُ للشهيد الزيارة
فقلتُ انتظر…….. انتظر