محمد إقبال بلّو
لسبب ما لا أعرفه كانت خدمتي العسكرية في الجيش المصري، وذلك في مكان جيد وعمل مكتبي يتعلق بأرشفة أوراق ومستندات المركبات العسكرية.
ولسبب ما تم نقلي إلى منطقة حدودية صحراوية أجهل موقعها تماما، كانت تعج بالمهربين، وكان من بينهم مهربو البشر.
كان المهربون وتحت أنظار عناصر الجيش وضباطه يصنعون مركبات خشبية تنزلق بأسلوب سلس على الرمال كتلك التي تنزلق على الجليد، ويتم تهريب البشر عبر المنحدر بواسطتها.
كل ذلك لاحظته في الدقائق الأولى بعد وصولي إلى المنطقة الجديدة، كما بدأت باستلام شيء بالغ الأهمية مباشرة.
تم تسليمي عربة عسكرية مدرّعة مع الأوراق والوثائق والكاتالوكات الخاصة بها، كانت مركبة جميلة شبه جديدة زيتية اللون، تشبه السيارة إلى حد بعيد، قمت بتجريبها وإذ بها تعمل بشكل مثالي لا تشوبه شائبة.
انتهى يوم العمل العسكري وغادرت الموقع إلى مكان إقامتي، ذلك المكان الذي لم أعرف عن شكله أو مضمونه أي شيء، أو بالأحرى لم تعلق في ذاكرتي أية صور عنه.
عدت إلى مكان خدمتي العسكرية صباحا، وطلب مني تشغيل عربتي الجميلة للانطلاق بها في مهمة ما، اقتربت من العربة، حدقت فيها طويلا، تساءلت، لماذا تبدو العربة أقل وسامة من الأمس؟ ولِم تغير لونها من الغامق إلى الفاتح الذي يشبه ألوان الرمال البغيضة التي تملأ كل مكان وتغطي كل شيء؟
فتحت بابها بالمفتاح وصعدت إليها محاولا تشغيلها، فلم يدر محركها، حاولت كثيرا فدار المحرك محدثا ضجيجا قويا، كما بدأت تتصاعد منه الأدخنة الكثيفة التي لم أرها في اليوم السابق، ثم توقف.. فما الذي حدث؟
أمام شيء يشبه الغرفة بمكان قريب ومرئي من قبلي جلست سيدة جميلة بملابس توحي بأنها تقيم في هذه الصحراء منذ أيام طويلة، وتتعرض للعوامل الجوية والظروف الصعبة، كان تمزق أطراف الفستان يظهر ساقيها المكسوين بالرمال، على الرغم من كونها جميلة وفاتنة الساقين والكل أقسام الجسم الأخرى.
تتحدث معي من بعيد فيستفزني الصوت الذي لم أستوعب كلماته التي نطقها بأن أتوجه إليها وأجالسها، تقدم لي كأسا من الشاي المضمّخ بالرمال فأهمّ بشربه.
يصرخ رجل من داخل الغرفة متسائلا عمّا حل بعربتي، فأخبرته بما حدث، ليتوجه معي إلى العربة، حينها لاحظت أن عجلاتها مهترئة وممزقة وهيكلها صدئ ومتعب، وكل ما فيها يوحي بالقدم والتهتك، طلب مني الرجل أن أرافقه إلى مكان إقامتي الذي احتفظت فيه بالأوراق الخاصة بالعربة العسكرية المدرعة.
وصلنا إلى الغرفة التي أقيم بها، وكأنني أراها لأول مرة رغم أنني قد نمت بداخلها في الليلة الماضية، متسخة جدا والرمال تجلس على كل كرسي وطاولة وحقيبة، فتحت حقيبة مخصصة للأوراق، ليبدأ الرجل بفحصها.
خلال دقائق أخبرني بأن الشهادة الأساسية للعربة غير موجودة، أما باقي الأوراق والكاتالوكات فمازالت داخل الحقيبة.
عدنا إلى العربة وأنا في حيرة من أمري وخوف وتوتر كبيرين، فماذا أفعل؟ وما العواقب الوخيمة التي ستحل بي.
ليقطع الرجل تسلسل المشاهد والأفكار التي كانت ترقص داخل دماغي، ليفسر لي ما حدث من وجهة نظره.
يقول الرجل بأنني بالفعل استلمت عربة جديدة، وبأن هذه العربة المهترئة لا يوجد فيها من عربتي الأساسية سوى القفل والمفتاح، وكل ما يعتقده بأن العربة العسكرية المدرعة الجديدة قد تم بيعها للمهربين، واستبدلت بالعربة الحالية المهترئة، وبأن كل ما يمكنني فعله هو الصمت وتجاهل ما حدث، لأنني إذا تكلمت وطالبت بتحقيق في الأمر فإنني المتهم الوحيد بذلك، وعليّ إعادة العربة الجديدة، والتي لا يمكن إعادتها مطلقا، وهذا ما يعني أنني سأقضي بقية حياتي في سجن عسكري.
استيقظت في هذه اللحظة، وأنا أحمد الله وأشكره بكل سعادة وفرح لأن ما حدث كله ليس سوى حلم من النوعية الرديئة، باستثناء سيقان سيدة الشاي الرملي.
محمد إقبال بلّو
10.11.2021
الساعة الواحدة والنصف صباحا
*ملاحظة: القصة حقيقية تماما وحدثت خلال ساعة واحدة نمتها، لأعيش فيها قلقا وتوترا حقيقيا جعلني في منتهى السعادة عند استيقاظي منذ قليل وإدراكي بأنني كنت أحلم.