بين سوريا وأوكرانيا.. الطائرات الروسية تقصف أطفالنا في ألمانيا
أطفالنا ومنذ بدء الأزمة الأوكرانية يتساءلون عن احتمالات اندلاع حرب عالمية، يعيشون حالة قلق وتوتر ويخشون دخول ألمانيا في مواجهة عسكرية مع روسيا، بل صارت نشرات الأخبار على المحطات التلفزيونية أو الأخبار العاجلة التي تنشرها المواقع الالكترونية هاجسهم، إذ يتابعونها باهتمام ورهبة.
ربما نحن الناجون من جحيم المحرقة السورية لم ننج من خيالاتنا وكوابيسنا ومخاوفنا، فمع اندلاع أية حرب جديدة تعود أصوات الانفجارات لتضرب أدمغتنا وتنبش الخوف العالق منذ سنوات، يتشارك البالغون والأطفال والمسنّون والشباب هذه المخاوف التي لا تميز عمرا عن آخر، ورغم اختلافات التعاطي معها إلا أننا نجد أنفسنا تحت سطوتها، لا ينفع حالاتنا المرضية علاج نفسي ولا رقيات شرعية ولا حتى تطمينات باستحالة السماح للحرب العالمية بالانفجار.
يتابع الأطفال الذين أصبحوا يافعين الصور القادمة من أوكرانيا، والتي تتشابه مع الصور العالقة في ذاكرتهم، فالدمار ذاته والدبابات ذاتها والطائرات ذاتها، إذ لا يدرك الأطفال فروقات الأنواع ومدى فاعليتها لكنهم يفهمون ذلك التأثير التدميري الذي تخلّفه، إلا أن الصور الأكثر تأثيرا في نفوس أطفالنا تلك الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت بكثرة في القنوات التلفزيونية عن نزوح المواطنين الأوكرانيين، وهربهم من القصف الروسي، وحالة الخوف والرعب التي تنتابهم.
الطفل السوري الذي نجا ووصل إلى أوروبا يعرف تماما حالة النزوح، فقد عاشها مرات ومرات قبل أن يصل إلى بر الأمان الذي يخشى فقده حاليا، فكل أسرة نزحت مرات عدة قبل وصولها إلى إحدى دول الجوار السوري ومنها إلى دولة أوروبية، وعلى الرغم من أن الكبار يشعرون بمرارة فقد المكان، لاسيما المكان الأصل الذي غادروه في أول نزوح، إلا أن الأطفال يعانون بشكل أكبر لارتباطهم المكاني السريع، فلربما فقدَ الطفل السوري وطنه البيت الذي أقام فيه خمس مرات أو عشرة، فكل بيت استقر فيه ولو لشهور قليلة يغدو وطنا له، بينما اليوم وبعد استقراره لسنوات في مكان ظنه آمنا بعيدا عن المأساة السابقة، تفتح الحرب الروسية الأوكرانية في خياله كل أبواب الاحتمالات بما تحملها من قلق وخوف ورعب.
يمر معظم السوريين في أوروبا بهذه الحالة من خوف فقدان الأمان والاستقرار، ولا يقتصر الأمر على الأطفال، ولو تجولنا قليلا في مواقع التواصل الاجتماعي، لوجدنا أن اهتمام السوريين بالحرب الأوكرانية الروسية يفوق اهتمام المواطنين العرب من أية دولة أخرى، بل انقسم السوريون في مواقفهم كالعادة، فموقف سوريي الداخل أو المقيمين في دول الجوار يختلف عن موقف اللاجئين في أوروبا على الرغم من تعاطف الجميع مع الشعب الأوكراني، ويجد سوريو الداخل أن الحرب الجديدة في مصلحتهم إذ أنها تضعف روسيا وتقلل من دورها في سوريا من وجهة نظرهم، بينما أولئك المقيمون في أوروبا وخاصة ألمانيا يرون أن الحرب تهددهم بشكل مباشر، ويخشون الانخراط الأوروبي في حرب واسعة قد تخلف ضحايا وخاسرين كثر، ويعتقدون بأنهم سيكونون أول الخاسرين.
