ريان علّوش: خدعني ذلك الوغد

ريان علّوش: خدعني ذلك الوغد

استيقظت هذا الصباح والضجر قد تملَّك روحي
جلست على المقعد زائغ النظرات, دون اهتمام بشيء, وكأن ما كان يشغل بالي يوم أمس لم يعد له وجود
فجأة ظهر أمامي فيكتور, أجفلني, فسألته بنزق:
ماالذي تفعله هنا يا فيكتور؟!

أجابني: وهل نسيت بأن هذا المنزل كان منزلي قبل أن تشغله أنت!!!

علقت قائلا: نعم أنت قلتها, كان منزلك, والآن ليس كذلك
جلس فيكتور على المقعد المقابل لمقعدي ثم قال:

أعذرك يا صاحبي, فأنت تتعامل معي بقوانين لم أعد أعترف بها ولا تشملني حتى, ثم تابع قائلا:
الأرواح تطير وتحط حيث تحب

استغربت مما قاله, فسألته:
ولكن كيف سمحوا لك بالمغادرة؟! ألم يقاضوك بعد؟!

ضحك زائري حتى كاد أن يقع عن مقعده ثم قال:
من تقصد؟! ومن سيحاسبني؟! دعك من ذلك يا صديقي, فغدا عندما تموت ستكتشف روحك أن كل ما يقال مجرد أوهام.

بدأ فيكتور يزين لي عالم الأرواح, وبأن الحرية الحقيقية لن نحصل عليها سوى بعد الموت.
صراحة أغراني ما قاله, و حلقت بالخيال إلى حيث لم أستطع الوصول إليه طوال حياتي.

بعد قليل خطرت لي فكرة, فقلت له:
ما رأيك يا صديقي لو نتبادل الأدوار؟!

أجابني مستغربا:
نتبادل الأدوار؟! ماالذي تقصده؟!
اجبته مستخدما أسلوب الإقناع الذي يستخدمه عادة من يروج لبضاعته الفاسدة كي يقبل الطرف الآخر عرضه فقلت:
أقصد بأن تحتل روحك جسدي, و أغادر أنا كي أعرف كيف تقضي الروح أوقاتها بعد الموت, ثم أخذت أعدد له مزايا جسدي, من ناحية السلامة, ومن ناحية بأنه مطواع لن يجد صعوبة بالتعامل معه.

ابتسم فيكتور بمكر, لم أفهم وقتها سبب ذلك, لكنه بعد وقت قصير من التمنع  قال:
موافق لكن بشرط, شرطي هو أن تعود إلى هنا قبل مغيب الشمس, وإن لم تفعل قضي الأمر وحكمت عليَّ بالحبس في جسدك إلى أجل غير معلوم.

بعد أن وافقت على شرطه هذا خرجت من جسدي, وحل مكاني.
كانت اللحظات الأولى مربكة, وقد احتجت لعدة دقائق كي أستوعب وضعي الجديد.

الوقت يمر سريعا, وأريد ان استغل كل دقيقة فيه, لذلك حلقت فورا إلى أهم الأماكن التي حلمت بزيارتها يوم كنت جسدا وروحا, برلين, كولن, باريس, فيينا.

عندما وصلت لم أشعر بأي متعة, فهي لم تبدو لي سوى أمكنة باهتة لا معنى لها, فعلى ما يبدو أن المشاعر والأذواق تختلف عندما تصبح الأرواح حرة.

هنا تذكرت فورا ما قاله لي فيكتور, بأن الأرواح لا تسعد إلا في الأمكنة التي أحبتها, فحلقت سريعا متجها نحو الشرق.

كان الفضاء يعج بالأرواح, وكأن يوم الحشر قد آن أوانه.
بحثت عمن أحببتهم, أبي, أمي, أصدقائي أقربائي, جيراني, فلم أجدهم, أو بالأحرى لم أستطع تمييزهم, فأنا كما تعلمون لم يسبق لي أن مت, ولا أعرف كيف تبدو الأرواح بعد الموت.

بكيت عندما رأيت الخراب في الأمكنة التي أحببتها, وحزنت على حال الأحياء، أو من يصنفون كذلك
شعرت بالغربة فلم أستطع الاستمرار, ليست غربة الأرواح التي لم تعرفني ولم أعرفها, ولكن أيضا غربة الأمكنة التي لم تعد تشبه نفسها.

حلقت عائدا نحو منزلي بعد أن تبين لي بأن ما فعلته كان خاطئا, كان يجب أن تبقى تلك الأمكنة وناسها في ذاكرتي كما رسمتها أو كما أحببت ان تبقى.

عندما وصلت إلى المنزل, كان جسدي يرتدي ثيابا غريبة لم أحبها يوما, وقد غير الكثير من ديكور البيت لدرجة أني بالكاد عرفته.

صرخت: ما الذي فعلته يا فيكتور؟!
أجابني: إنه منزلي, أم نسيت؟!
قلت له: ولكن يا فيكتور بيننا اتفاق, وها قد عدت قبل غياب الشمس.

ضحك فيكتور لدرجة القهقة ثم قال:
لقد قضي الأمر
منذ ساعات أهيم في السماء كتائه لا ينتمي إلى أي مكان

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s