عار الدورة الشهرية وهموم جنسية وشعور بالذنب.. من يوقف الشياطين في شهر رمضان؟
عار الدورة الشهرية كما الكثير من أصناف العار وأشكاله المتعددة، يلاحق المرأة السورية في شهر رمضان ويشكل لها أعباء إضافية، إذ أن المرأة لا تصوم أيام شهر رمضان التي تتصادف مع دورتها الشهرية، ما يجعلها أحيانا الفرد الوحيد غير الصائم في العائلة.
غالباً ما تحاول المرأة إخفاء هذا الأمر، الذي يسهل إخفاؤه في الأيام العادية خارج شهر الصيام، لكن لا طريقة للتستر على هذا (العار) خلال شهر رمضان وبين أفراد العائلة سوى بالتظاهر بالصيام، والاكتفاء طوال اليوم بشربة ماء مثلا، قد تتناولها المرأة أو الفتاة خلسة بعيداً عن أعين الذكور، وتكمل اليوم مثلها مثل أي صائم، فمن (العيب) أن يلاحظ باقي أفراد العائلة بأنها ليست صائمة، إذ أن ذلك لا يعني سوى شيئاً واحدا.. ياللعار إنها الدورة الشهرية.
وعندما تقوم المرأة بصيام الأيام التي أفطرتها في رمضان خلال الشهور التالية، وهذا ما هو متعارف عليه، فإنها كثيرا ما تضطر لأن تخفي صيامها وتتظاهر بأنه ليس لديها رغبة في الطعام طوال النهار، أو ربما تدعي أنها تصوم هذه الأيام كنذر أو كسنّة إذا صامت يومي الاثنين والخميس، أما أن يعرف أحد أنها تصوم بدل أيام الدورة الشهرية فياللعاااار.
لا تقتصر معاناة المرأة خلال شهر رمضان على الموضوع السابق، بل غالباً ما تعاني المرأة السورية عامة والريفية بشكل خاص، من تسلط الرجل الذي يبلغ ذروته في رمضان، إذ تزداد حساسيته لأسباب كثيرة، وما من أحد يحصد نتائج هذه الحساسية الزائدة سوى المرأة سواء كانت الزوجة أو البنت أو الأخت أو حتى الأم أحياناً.
غالبا ما يمر أكثر من منتصف اليوم الرمضاني بسلام على المرأة، لكن المعاناة تبدأ بعد عودة الرجل من عمله، لاسيما أنه غالبا ما تورط خلال يومه بعدة مشاجرات لفظية أو من أنواع أخرى، والسبب أنه (صائم) فهو كائن مرتفع الحساسية يثار لأي سبب بسيط، التوترات التي يتعرض لها خاصة لو كان مدخنا تجعله في مزاج سيء للغاية، فما بالكم لو أنه خرج منهزما من أحد الشجارات؟! فلا مجال لانتصاره وتحقيق ذاته إلا بالانتصار على زوجته حال وصوله إلى البيت.
تبدأ احتجاجاته ويستمر امتعاضه حتى لحظة إشعاله لسيجارته مع أذان المغرب، فلا نظافة البيت تعجبه، ولا طريقة الطبخ وتجهيز الطعام، ولا يمكن أن يطلب منه شراء أي شيء، كما لا يمكن إخباره بأي خبر سيء يخص الأسرة حتى ولو كان علامة سيئة لأحد أطفاله في مذاكرة العلوم.
قبل أذان المغرب بساعة واحدة يصبح الرجل سائق سرفيس بين غرفة الجلوس والمطبخ، ويقدم كل الانتقادات الممكنة، راجياً من ربه الذي يصوم له أن تتفوه الزوجة بكلمة واحدة تعبر عن اعتراض أو انزعاج، ليبدأ التصعيد بالتوبيخ فالشتم وصولاً إلى الضرب أحياناً، وكثيرا ما (يجاكر الله وزوجته) ويشعل السيجارة قبل المغرب بدقائق مرفقاً ذلك بعبارة (انبسطتي هيك بطلنا صيام) والمسكينة غالباً ما تشعر بالذنب حينها.
إذا وصلت الأمور سليمة أو شبه سليمة إلى أذان المغرب، يبدأ انخفاض التوتر تدريجياً، وصولاً إلى وقت النوم حيث تتحسن الكلمات وقد تصل إلى الغزل، فالوقت بين موعد النوم وموعد الاستيقاظ على السحور ضيق جدا، ولا بد من استغلاله واستغلال الزوجة على أكمل وجه.
في هذه الساعات القليلة والتي لا تتجاوز أربع أو خمس ساعات، على المرأة أن تتحول فجأة إلى ملكة جمال تقطر سكساً ودلعاً وأنوثة، وإن لم يتوفر ذلك لسبب ما، فإن يوم الصيام التالي سيكون أصعب وأشد وقعاً عليها، وهذا أمر طبيعي وتستحقه، فما هذه الزوجة الفاشلة التي لا تؤدي حقوق زوجها، سيغضب الذكر عليها بل وستساعدة (الملائكة المختصة في ذلك) ملكاً تلو ملك بلعنها واعتبارها عاصية وصيامها لا يفرق عن عدمه، بل لا تستفيد منه سوى الجوع والعطش، لأنها تمنعت عن زوجها، وهذا ما تؤكده النصوص (التي يدعي البعض أنها دينية إسلامية).
لا أخفيكم أنني في مرحلة ما كنت الرجل السوري ابن ريف حلب، وكنت أتصف بكل الصفات السابقة وأمارس معظم السلوكيات التافهة ولو بنسبة متفاوتة ومختلفة، لكن منذ أن منّ الله علي وتوقفت عن الصيام نهائياً (لأسباب لست مضطراً لشرحها لأحد)، ومنذ أن غادرت بيئتي غير آسف إلى أماكن أخرى فهمت فيها الكثير من معاني الحياة وأشكالها الصحيحة، تغير الحال بنسبة مائة بالمائة، إذ أن صاحبكم كاتب هذا النص وفي اليوم الأول من رمضان وهو اليوم الذي سبق كتابة هذه المقالة، قضى معظم يومه في المطبخ، وجهز لزوجته الصائمة ولأطفاله الصائمين منهم وغير الصائمين، العديد من أصناف الطعام، وزاد في حُسن معاملته للعائلة حُسناً.
*محمد إقبال بلّو – من كتاب الاستعباد الخفي للمرأة السورية.. ريف حلب نموذجا. الصادر عن موقع زي بوست الاجتماعي الأدبي في عام 2022