حكايتي مع الشيخ الاشتراكي وكيف أمّم الخرجيّة
زي بوست:
العطلة الصيفية في المدارس السورية كانت مدتها تقارب ثلاثة شهور، تعاني فيها الأم ما تعاني، لاسيما تلك الأم التي أنجبت خمسة أطفال أو أكثر، إذ أنه من المعروف أن الفترة التي يذهب فيها الأطفال إلى المدارس، تعتبر ساعات ترفيهية للأم، على الرغم من أنها تقوم بأعمال المنزل في هذا الوقت، لكن الرفاهية تأتي من عدم انشغالها بــ الطق والنق كما يقول الحلبيون أو بالسق والنق كما يقول الشوام.
والدتي رحمها الله كانت ترغب أن تتخلص مني لعدة ساعات يوميا خلال فترة الصيف، وبالتحديد أنا، لأنني الطفل الذي لا يتوقف عن الحركة والاعتراض والشغب وافتعال العراك مع باقي أفراد الأسرة، لدرجة أن جدي رحمه الله كان يقول لي عندما يحدث شجار بيني وبين إحدى اخواتي البنات (كان مناصراً لهن): انت بتتعدى عالشيطان، تخيلوا انا أعتدي على الشيطان شخصياً، ومازالت حتى اليوم هذه العبارة مبعث فخر لي، فحتى الشيطان لم يسلم مني، وهذا يدل على قوتي وشجاعتي، وإذا أردتم أن تأخذوا الموضوع من منطلق ديني، فأنا قاهر الشيطان، وبالتالي فأنا نصير الرحمن لا بد.
بعد محاولات كثيرة من والدتي رحمها الله، ورغم عدم قناعتي بالفكرة بل ورفضي لها، وافقت على أن أذهب إلى مسجد يبعد عن بيتنا أكثر من كيلومتر مشياً على الأقدام كل يوم ذهاباً وعودة في حر الصيف ولهيبه، حتى أتعلم القرآن على يد الشيخ فلان، الشيخ فلان وعلى ما بدا لي حينها ليس شيخاً بل جلاداً، وخلال ذهابي لتعلم القرآن عنده لأكثر من أسبوعين.. شبعت جلد بالخرطوم.. أنا وباقي الأطفال الذين يرغب أهاليهم بالتخلص منهم.. عفوا.. بتعليمهم القرآن الكريم، لو تحرك الطفل منا حركة بسيطة أثناء درس القرآن لسلخه الشيخ فلان بالخرطوم على يديه أو طيزه، ولم أفهم لم يحب الشيخ الضرب على الطيز، أخي على الإيدين آمنا وصدقنا بس ليش عالطيز يا شيخي؟؟
الشيخ فلان لم يكن شيخاً فحسب بل على ما يبدو كان من أصحاب الفكر الاشتراكي ويؤمن بتوزيع الثروة، وكما تعلمون فإن أصحاب هذا الفكر المثالي غالباً ما يكونون غير مثاليين، فالشيخ عندما قام بعملية تأميم (الخرجية) وضمها لميزانية الدولة، صدمني صدمة كبيرة وقضى على آمالي بالتمتع بخرجيتي التي غالباً ما تكون كبيرة بالمقارنة مع خرجية غيري رغم فقرنا في تلك الأيام، وذلك تشجيعاً من والدتي لأوافق على الذهاب وتعلم القرآن.
كانت الصدمة أن الشيخ فلان كان يجمع من الأطفال الذين جلبوا معهم خرجية كل مالهم، ويشتري (أكلات) يوزعها بالتساوي على الجميع، وفكرته الاشتراكية انطلقت من ضرورة توزيع الثروة الوطنية على الجميع، فمعظم الأولاد لا يجلبون معهم الخرجية، بل بالكتير معهم لفة دبس.. وهي الصندويشة الشهيرة المؤلفة من رغيف خبز مطلي برب البندورة ومكسو ببعض الزيت إن توفر، وهكذا كان يسلب منا أموالنا ليوزعها على من لا يملكون مالاً كروبنهود، لكنه لا يوزع المال بل الأكلات، ربما وأقول ربما بل اثنتان أو ثلاثة أو ألف من هذه الـ ربما، كان الشيخ فلان يوفر من خرجياتنا بعض المال، على الرغم من أنه يأخذ من الأهالي خمس ليرات سورية عن كل طفل أسبوعياً.
بعد حوالي أسبوعين نفذ صبري وأعلنت التمرد في البيت، لن أذهب إلى المسجد ولا أريد ان أرى الشيخ الذي ينصب خرجيتي، ولن أتعلم القرآن، وبالفعل لم أعد أذهب للشيخ.
بعد فترة بسيطة وقبل نهاية العطلة الصيفية، سمعت أن إحدى السيدات التي أعرفها جيداً قد ذهبت للمخفر واشتكت على الشيخ، ماذا فعل الشيخ؟ بحسب السيدة اغتصب ابنها والذي لا يزيد عمره عن سبع سنوات، ثم وتحت ضغط اجتماعي ولأن الشيخ فلان لن يفعل ذلك ولأنها بالتأكيد مخطئة، سحبت الشكوى واعتبرت الشرطة أن الطفل أخبر أمه بمعلومات خاطئة لا أساس لها.. لكنني سمعت الأم تقول: ابني قلي انو حطلو يا من ورا بس ما دخّله.
*محمد إقبال بلّو – من كتاب الاستعباد الخفي للمرأة السورية.. ريف حلب نموذجا. الصادر عن موقع زي بوست الاجتماعي الأدبي في عام 2022
