تسعة يورو
في ألمانيا وبعد أن بات المرء يتنقل بين غرب ألمانيا وشرقها، جنوبها وشمالها ب ٩ يورو فقط شهرياً حلت الفوضى جراء الازدحام الخانق وتأخر القطارات عن موعدها رغم أنها كانت فرصة للكثيرين لاستكشاف بعض المدن، ولزيارة اقربائهم بأجر أقرب للبلاش.
البارحة كان الازدحام على أشده، فالركاب وقوفاً كانوا بأعداد كبيرة، لدرجة أنني بالكاد حصلت على موطئ قدم، وهذا ما أزعجني، فلو لم أكن مضطراً لما ارتضيت لنفسي هكذا رحلة، لكنها على كل حال ذكرتني بالزمن الجميل أيام باصات الهبهوب والنقل الداخلي.
بجانبي كن يقفن ثلاث فتيات، بدا من سحنتهن أنهن لسن ألمانيات، لأنهن كن سمراوات ذوات شعر أسود، تتحدثن بلغة لم أفهمها، وهؤلاء الفتيات لم تلفتن انتباهي إلا بعد أن وقف شاب في منتصف العشرينات بجانبهن.
وبعد أن أخذ الشاب ينظر إليهن بنظرات غريبة، ويقوم بحركات عجيبة أقرب إلى التهديد شعرت بأن فرائصهن قد بدت بالارتجاف، واخذن ينظرن يميناً ويساراً بطريقة أقرب إلى الاستنجاد بمن حولهن، إلا أن كل من في القطار كان يراقب المشهد بعيون زجاجية.
تمادى الشاب بتصرفاته، والتي لم أعرف حينها إن كانت ناجمة عن دوافع عنصرية، أم بقصد التحرش، إلا أنني حسمت الأمر لصالح الاحتمال الاول، لأنه قصدهن بالذات وتجاهل كل الالمانيات اللواتي كن يرتدين ثيابا وماهي بثياب.
تماديه هذا لم أستطع احتماله، فطغى العرق الشرقي على حالتي، فطلبت من الفتيات أن يقفن ورائي، فبت وذلك الشاب وجها لوجه، فنظرت نحوه بأشد ما أملكه من نظرات مرعبة، فبادلني بمثلها
كنت حينها مستعدا لكل الاحتمالات، ووضعت عدة سيناريوهات، أهمها بأننا سنتضارب، وبأنكم ستسمعون الخبر التالي: (شاب لاجئ يهجم على الركاب بعصا في أحد القطارات، والتحقيق جار لمعرفة إن كان لهذا الهجوم دوافع إرهابية لأن بعض الشهود أكدوا بأنهم سمعوا صرخات الله أكبر قبل بدء الهجوم).
أما السيناريو التالي فهو: (طُعن أحد اللاجئين بسكين شاب ألماني، والتحقيقات الأولية تشير إلى أن الشاب الألماني يعاني من اضطرابات نفسية).
توقف الزمن للحظات، لكنها لم تطل كثيراً نتيجة انسحابه من أمامي، ولم أعرف سبب انسحابه، هل لأني كنت أكبر حجماً منه! أم لأنه جبان لا يستهدف سوى النساء! أم لأنه لمح العصا التي كنت أخفيها بين طيات ذاكرتي؟! تلك العصا المنضدة بالفضة والتي ورثتها عن جدي الأكبر علوش الضهرة ضمن طقوس احتفالية خاصة بالعائلة، وأظن بأني قد حدثتكم عنها سابقاً.
