الزيارة – قصة مترجمة للكاتب الأمريكي راي برادبري.. ترجمتها لموقع زي بوست: كنانه بسيم حمادي

الزيارة – قصة مترجمة للكاتب الأمريكي راي برادبري.. ترجمتها لموقع زي بوست: كنانه بسيم حمادي

(تدور القصة حول وفاة ممثل شاب ونقل قلبه إلى جسد رجل آخر).

لقد اتصلَت، ومن المفترض أنها ستزوره.

في البداية كان الشاب متردداً، وقال “لا، لا شكراً”، كان آسفاً، لقد فهم، لكن لا.

ولكن عندما سمع صمتها على الطرف الآخر من الهاتف، لم يكن هناك صوت على الإطلاق، باستثناء الحزن الذي تحتفظ به لنفسها، انتظر لفترة طويلة ثم قال: “حسناً، تعالي، لكن من فضلك لا تبقي طويلاً إنه موقف غريب ولا أعرف كيف أتعامل معه”.

كانت هي كذلك أيضاً لا تعرف كيف تتعامل مع الموقف، ذهبت إلى شقة الشاب، وهي تفكر فيما ستقوله وكيف تتصرف، وماذا سيقول، كانت خائفة للغاية من القيام بشيء عاطفي لدرجة أنها ستدفعه لإخراجها من الشقة وإغلاق الباب.

ذلك لأنها لم تكن تعرف هذا الشاب على الإطلاق، فقد كان غريباً تماماً، لم يلتقيا قط، وبالأمس فقط وجدت اسمه أخيراً، بعد بحث يائس من خلال بعض الأصدقاء في مستشفى محلي، والآن، قبل فوات الأوان، كان عليها ببساطة زيارة شخص غريب تماماً لأسباب غريبة في حياتها كلها وحتى في حياة جميع الأمهات في العالم منذ بدء البشرية.

– “أرجوك انتظر”

أعطت سائق السيارة فاتورة بقيمة عشرين دولاراً لتضمن وجوده هناك في حال خرجت في وقت أقرب مما توقعت، ووقفت عند مدخل المبنى السكني لفترة طويلة قبل أن تأخذ نفساً عميقاً، فتحت الباب، ودخلت، وأخذت المصعد إلى الطابق الثالث.

أغمضت عينيها ووقفت أمام بابه، وأخذت نفساً عميقاً آخر وطرقت، لم يكن هناك إجابة، وبهلعٍ مفاجئ، طرقت بشدة، وهذه المرة فُتح الباب.

نظر إليها الشاب الذي يتراوح عمره بين 20 و 24 عاماً، بخجل وقال، “السيدة هادلي؟”

سمعت نفسها تقول: “أنت لا تشبهه على الإطلاق، أعني…” وأمسكت بنفسها واندفعت وكادت أن تذهب بعيداً.

– “لم تتوقع مني هذا، أليس كذلك؟”

فتحَ الباب على نطاق أوسع وتنحى جانباً، كانت أكواب القهوة جاهزة على طاولة صغيرة في وسط الشقة.

– “لا، لا، هذا سخف، لم أكن أعرف ما كنت أقوله”.

– “اجلسي، من فضلك، أنا (ويليام روبنسون) أو (بيل) بالنسبة لك، على ما أعتقد. سوداء أم بيضاء؟” (كان يقصد القهوة)

– “سوداء”، وراقبته وهو يسكبها.

– “كيف عثرتِ عليّ؟” قال وهو يناولها الفنجان.

تناولته بأصابع مرتعشة وقالت: “أعرف بعض الناس في المستشفى، لقد قاموا ببعض التحريات”.

– “لا ينبغي أن يكونوا قد فعلوا ذلك”.

– “نعم، أنا أعلم، لكنني بقيت في وجههم، سأذهب للعيش في فرنسا لمدة عام، وربما أكثر، كانت هذه فرصتي الأخيرة لزيارة.. أعني..”

صمتت وهي تحدق في فنجان القهوة.

– “لذا ربطوا الأمور ببعضها، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تكون الملفات مغلقة ؟” قال ذلك بهدوء.

قالت: “نعم، كل الأمور اجتمعت مع بعضها، الليلة التي مات فيها ابني كانت نفس الليلة التي تم إحضارك فيها إلى المستشفى لإجراء عملية زرع قلب، كان يجب أن تكون أنت، إذ لم تكن هناك عملية زرع قلب أخرى في تلك الليلة أو ذلك الأسبوع، كنت أعلم أنه عندما غادرتَ المستشفى، ابني، قلبه على أي حال ” -كانت تواجه صعوبة في قول ذلك- “قد ذهب معك” ووضعت فنجان القهوة.

– “لا أعرف لماذا أنا هنا”.

– “نعم، أنت تعلمين”.

– “ليس حقاً، أنا لا أعرف، كل شيء غريب ومحزن وفظيع وفي نفس الوقت، لا أعرف، هل هي هدية الله، هل هذا منطقي؟”

– “بالنسبة لي هو كذلك، أنا على قيد الحياة بسبب تلك الهدية”.

الآن حان دوره ليصمت ويصب القهوة لنفسه يحركها ثم يشرب.

قال الشاب: “عندما تغادرين من هنا، أين ستذهبين؟”

“أذهب؟” قالت المرأة بنبرة مرتابة.

“أعني ..” جفل الشاب من افتقاره إلى اللطافة، الكلمات لن تخرج من فمه ببساطة، “أعني، هل لديك زيارات أخرى تقومين بها ؟ هل هناك غير.. “

“أنا أفهم” قالت ذلك وأومأت برأسها عدة مرات، وأمسكت بنفسها بحركة من جسدها، ونظرت إلى يديها في حجرها، وقالت “نعم، هناك آخرون، أعطيت عينيه لشخص ما في ولاية أوريغون، وهناك شخص آخر في توكسون “

قال الشاب: “ليس عليك مواصلة الكلام، ما كان يجب أن أسأل”.

– “لا، لا، كل شيء غريب جداً، سخيف جداً، كل شيء جديد، قبل بضع سنوات فقط، لم يكن من الممكن أن يحدث شيء كهذا، الآن نحن في وقت جديد، لا أعرف إن كنت سأضحك أم أبكي، أحيانًا أبدأ بالضحك ثم أجهش بالبكاء، أستيقظ مشوشة، وغالباً ما أتساءل عما إذا كان هو مشوشاً، لكن هذا التفكير أكثر سخافة، فهو ليس موجوداً في أي مكان”.

قال الشاب: “إنه في مكان ما، إنه هنا، وأنا على قيد الحياة لأنه هنا في هذه اللحظة بالذات”.

برقت عيون المرأة بشدة، لكن دموعها بقيت حبيسة.

– “نعم. شكراً لك”.

– “لا، أنا أشكره وأشكرك لإعطائي فرصة جديدة لأحيا”.

نهضت المرأة فجأة، كما لو كانت مدفوعة بمشاعر أقوى مما كانت تعرفه، نظرت حولها بحثاً عن الباب الذي كان واضحاً تماماً وبدا أنها لم تراه.

– “إلى أين تذهبين؟”

– “أنا”.

– “لقد وصلتِ للتو إلى هنا!”

حينها بكت قائلة: “هذا غبي! محرج، أنا أضع الكثير من العبء عليك وعلى نفسي، سأذهب الآن قبل أن يصبح كل شيء سخيفاً لدرجة أنني قد أصاب بالجنون”

قال الشاب “ابقي”.

وكادت أن تجلس إطاعة له.

– “أنهي قهوتك”.

ظلت واقفة، وأمسكت فنجان قهوتها بيدين مرتعشتين، كانت الصوت الناعم للكوب هو الصوت الوحيد لبعض الوقت لأنها تناولت القهوة بعطش من لا يرتوي، ثم وضعت الكوب الفارغ وقالت: “يجب أن أذهب حقاً، أشعر وكأنه سيغمى عليّ أو أنني قد أسقط، أنا محرجة جداً من نفسي، من المجيء إلى هنا، بارك الله فيك أيها الشاب، أتمنى لك حياة طويلة”.

بدأت تسير باتجاه الباب، لكنه وقف في طريقها.

قال: “افعلي ما جئتِ لتفعليه”.

– “ماذا، ماذا؟”

– “أنت تعرفين جيداً، لن أمانع افعليها”

– “أنا..”

قال بلطف: “هيا” وأغلق عينيه وووضع يديه إلى جانبه، منتظراً.

حدقت في وجهه ثم في صدره، حيث بدت تحت قميصه ألطف حركة يمكن أن تراها.

قال بهدوء: “الآن”.

كادت أن تتحرك.

قال للمرة الأخيرة: “الآن”.

تحركت خطوة واحدة إلى الأمام، أدارت رأسها وحركت أذنها اليمنى بهدوء لأسفل ثم للأسفل مرة أخرى، بوصة بوصة، حتى لمست صدر الشاب.

كان من الممكن أن تبكي، أن تصرخ بشيء ما لكنها لم تفعل، كانت عيناها مغمضتين الآن وكانت تستمع. تحركت شفتاها قائلة شيئاً، ربما اسماً، مراراً وتكراراً، تقريباً على إيقاع النبض الذي سمعته تحت القميص، داخل جسد الشاب المريض.

كان القلب ينبض هناك، لقد استمعت إليه، ذاك القلب ينبض بصوت ثابت ومنتظم. استمعت لفترة طويلة كانت أنفاسها تخرج ببطء، وعاد اللون إلى خديها.

لقد استمعتإلى دقات القلب، ثم رفعت رأسها، ونظرت إلى وجه الشاب للمرة الأخيرة، وطبعت قبلة سريعة على خده، واستدارت، وسارعت عبر الغرفة، دون شكر، لأنه لم تكن هناك حاجة إلى أي شيء، عند الباب لم تستدر حتى فقط فتحته وخرجت وأغلقت الباب بهدوء.

انتظر الشاب لحظة طويلة، صعدت يده اليمنى وانزلقت خلال قميصه عبر صدره لتشعر بما يقع تحته، كانت عيناه لا تزالان مغمضتين ووجهه بلا عاطفة.

ثم استدار وجلس دون أن ينظر إلى المكان الذي جلس فيه والتقط الكوب لإنهاء قهوته.

النبض القوي، الاهتزاز العظيم للحياة داخل صدره، مشى على طول ذراعه إلى الكوب وتسبب في تحريكه بإيقاع ثابت، لا ينتهي، وضعه على شفتيه، وشرب القهوة كما لو كانت دواء، أو هدية، من شأنها إعادة ملء الكوب مراراً وتكراراً خلال أيام أكثر مما يمكن أن يخمنه أو يراه، لقد أنهى الكوب.

عندها فقط فتح عينيه ورأى أن الغرفة فارغة.

رابط المصدر:

https://www.writing.com/main/view_item/item_id/1999575-The-Visit–Short-Story-by-Ray-Bradbury

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s