عبد القادر الحصني: قصيدة الرجل
كان حزيناً يُغرق جلَّ ملامحه في بِركة كفّيهِ
ويقطرُ من بين أصابعه غيمٌ
صار على شكل بكاءْ
حاولتُ كثيراً أن أتفهَّم ما يعروه من الحزنِ
بأبراجٍ عاليةٍ
وشددتُ حبالَ الأجراسِ
فلم يتنهّد جرسٌ منها:
كان كأن هواءً يسكن في قلب هواءْ
عدت إلى أخبار الأيام الأولى
وتصفّحتُ الليلَ الأولَ
فقرأتُ عرائسَ زنجياتٍ لم يطمثهنَّ نهارٌ
ورأيت ثماراً تنطف لذّتَها السوداءْ
في أقمارٍ من لبنٍ وكواكبَ من عسلٍ
لم تصبح بعدُ رجالاً ونساء
ليلٌ أليلُ في ليلته الليلاءْ
كانا ينتظران على مهلٍ
أيّهما يصبح ماءً
كي يتَّخذَ الآخرُ شكلَ إناءْ
ما أوحدني في هذا الصمتِ المُصْمَتِ
وأنا أبتكرُ حروفاً هاويةً
وأفسِّرُ ما بين أصابع كفّيَّ
لكي أتقرّى من أين يجيء الحزنُ إلى الأشياءْ
كان عناءً أن أتودّد أحجاراً صمّاءَ لكي تنحنيَ
وكان عناءً أكبرَ أن أنفخ من روحي
في المنحنياتِ حناناً
يقبل أن يتنفس بين فراغٍ و”ملاءْ”
ماذا كان بوسعي أن أفعلَ؟
كان حزيناً حزناً لم أتصوّر أن يفسخ ضلعاً من أضلاعي، ليريني صورته فيّ ، وَيدنو مني
حتى لايتبقّى غيرُ امرأةٍ في المرآة
كلّ بنات الناس رضين بأن يتزوّجن بأبناء الناسِ
ولكن أبناء الناس تشهّوا جنياتٍ في الأرضِ،
وناموا معهنّ،
وندموا،
حتى تاب اللهُ عليهمْ
ووعدَهم أن يشتقَّ الجنّة من أسماء الجنياتِ
وأن يغسلهنَّ بماء الكوثرِ
حتى يصبحن نساءً حوريّاتْ
طوبى للحزن يربّي تحت طحالب عينيه الدكناءْ
صيفاً وربيعاً وخريفاً وشتاءْ
وجزائر من مرجانٍ يطلق منها سمكاً أحمرَ حين يشاءْ
طوبى للآلهة تعـنّتْ حتى وجدت أسماءً للأشياءْ
طوبى للرجل ارتبكَ وأربكَ حتى طُرد وحيداً إلا من جنَّتهِ فاخترع لها اسماً آخرَ
ودعاها حواء
شتاء 1998م./ ينام في الأيقونة
*مختارات
*من صفحة الشاعر في فيسبوك