أحمد عثمان: مرثيةُ المهدِ الأخير
(لوالدتي في نقطة التقاء غيابها بحضورها )
عميقاً
كحيرةِ مهدٍ تَهادى
بلا لمسةٍ من أناملك المُشتهاةِ
أفتِّشُ في ُردهٍ تتفادى غيابكٍ
عن عبقٍ من قميصكِ كلَّ صباحٍ
وعن نفحةٍ من روائح فُستانك القرويِّ
وعن غفوتي في سريرِ يديكِ
بإغفاءةٍ من خريرِ الأُمومةِ
تنأى بعيداً
وعن هدهدةْ
كأنَّ لشالكِ ضوعٌ
يُشابه رائحةَ الزَّعتر الجبليِّ
وذاكَ الحداءُ الشَجيُّ
يحرِّكُ في داخلي بِركاً من مياهِ السُّكونِ
ويتركُ في شهقاتِ الَّدوائر
وقعَ حَصى السَّنواتِ
وصورةَ أطيافكِ المبعدةْ
أنا خائفٌ
مثلَ عُصفورةٍ تتوخَّى السُّقوطَ من العشِّ
كنتُ أحاولُ أن أتلمَّس كُلَّ جدارٍ
تركت ظلالكِ ترأبُ أحزانَ قِرميدها،
أنْ أرتِّقَ صدعَ بلاطٍ يحنُّ لوقعِ خُطاك
وأقنعَ سَقفاً قديماً
بألّا يُفكِّر بالإرتماءِ على الأرضِ
حيثُ المكانُ
يفتشُ كلَّ صباحٍ
هنالكَ
عن أحدٍ فَقدهْ
الأماكنُ ينقصها أن تكُوني بأحضانها كي تُجابه وحدتها
أن تُحيِّد أنفاسكِ الفُلَّ عن محنةِ الإصفرارِ
و أن تتحسَّسَ كلتا يديكِ النَّوافذَ
كيما تعودَ لبلَّورها رغوةُ الِّذكرياتِ
ويهمي الرذاذُ الذي عَمَّدهْ
لماذا عليَّ إذاً أن أؤبِّن فُلَّ السُّطوح
وأن أتغاضى عن البُنِّ
حين يغيضُ حزيناً بقعر الفناجينِ
أو أترفع عن زجر ذاك الفراغ
إذا ما تراءى بحضن الأريكةِ
وهنَ اتكاءاتكِ الُمجهدةْ
لماذا إذاً كُلما نكأ الحُزنُ صدعي
تراءى لي الموتُ كالمتسوِّل
مُستجدياً سنواتي الشَّحيحة
أو باسطاً بالسُّؤال يَدهْ
*من صفحة الكتاب في فيسبوك