المقايضة نظام تجاري تكون المرأة إحدى سلعه في السوق السورية
من كتاب الاستعباد الخفي للمرأة السورية – محمد إقبال بلّو
تعرّف المقايضة على أنها نظام تجاري يتم عبره تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة ببضائع أو خدمات أخرى دون استخدام وسيلة تبادل مثل المال، وعادة ما تكون المقايضة ثنائية، وقد تكون متعددة الأطراف في بعض الأحيان.
ما سبق ليس بذي قيمة مطلقاً في موضوعنا هذا، لكنني بدأت به لأوضح أن المقايضة نظام تجاري يتعلق بسلع أو بخدمات، ولا يتعلق بالبشر، إذ لا يجوز لك عزيزي أن تقدم ابنتك في صفقة مقايضة كسلعة ما لأنك بذلك تكون قد حرمتها من سماتها الإنسانية، كما لا يجوز لك أن تعتبر أن هذه المقايضة مجرد خدمة إذ أنك حينها تحرم ابنتك من حريتها وتدخلها ضمن حالة العبودية، ولو كنت تصر على أن ابنتك مجرّد (متاع) فلا بد من اعتبارك مجرماً خطيراً أو مختلاً وجب على المجتمع علاجه في حال كان هذا المجتمع سويا.
من منا نحن أبناء الريف السوري بشكل عام وأبناء أرياف حلب أو ادلب لم يسمع بالمقايضة؟ وتلفظ أحيانا بالعامية الدارجة (القياض)، ومن منا لم يعرف أمثلة كثيرة عن هذه الصفقة الباطلة؟ بعضنا قبِل أن يكون جزءاً من الصفقة! بعضنا كان شاهد زور عليها! بعضنا شجّع وبعضنا صفق وبعضنا رفضها لابنته ولم يستنكرها لغيرها!
عادة ما يتم الاتفاق بين عائلتين على زواج المقايضة بطريقة واضحة وفجّة، وتتضمن الصفقة باختصار تزويج ابنة العائلة الأولى لابن العائلة الثانية وتزويج ابنة العائلة الثانية لابن العائلة الأولى، كما يكون حفل الخطوبة في نفس اليوم وموعد الزواج نفسه، ويتم شراء نفس المقدار من الذهب والملابس والعطور واللانجري للفتاتين، بل غالباً ما تكون الأشياء متشابهة شكلاً ومضموناً، كما يكون المهر متساوياً، وما حدا أحسن من حدا.
في زواج المقايضة غالباً ما ترضخ الفتاة لرغبة الأهل، وإذا رفضت فإنها بذلك ستتسبب بإيقاف مشروع زواج أخيها، وستتلقى اللوم كله على الأقل، إن لم تتلق الإهانات والضرب على يد الأب أو الأخ الذي كاد أن يصبح عريساً على حساب أخته، يعود رفض البنت الزواج بهذه الطريقة بالكثير من الضغوطات التي قد تحتملها، ورغم أن احتمالية رفض البنت ما يطرحه الأهل في عائلات كهذه ضعيفة جدا وغالبا ما ترضخ، إلا أن رفضها لن يسبب لها أخطاراً جسدية بقدر ما سيؤدي لتحطيمها نفسياً.
عندما يحدث هذا الزواج، يتخلله ظلم للفتاتين لا للشابين، إذ أن أصل طرح الفكرة هو التوفير في المصاريف، وبالتالي تظلم الفتيات عادة في المهر والملابس وحفلة العرس وفي مختلف التفاصيل التي توافق العائلتان على إتمامها (عالضيق) كما يقولون. ورغم أن البعض يحاول إنكار الأسباب المادية لصفقة كهذه ويدعي أن ذلك يحفظ حق ابنته كونها ستعامل بمثل ما ستعامل به أخت زوجها، وبالتالي لن يجرؤ الزوج على إهانتها أو أذيتها حرصاً على أخته التي هي زوجة أخ زوجته، إلا أن هذه الأفكار تأتي غالبا بعد الزواج وليس قبله أو أثناء التحضير له، إذ تقتصر تلك المرحلة على دراسة الجدوى الاقتصادية لهذه الصفقة.
معظم حالات المقايضة تحدث بين أبناء وبنات العم، إذ يتفق الأخوان أو يتفق أبناء العم على الصفقة، فيما رأي الفتيات يأتي لاحقاً، ولكي لا نكون سوداويين، فلا بد أن نذكر أن بعض هذه الصفقات خاصة في حالة أبناء وبنات العم تتم برضى الفتيات وموافقتهن أحياناً، أحياناً وليس في غالب الأحيان!
ما سبق كله قد يكون مقبولاً ضمن أعراف اجتماعية معينة، تلك الأعراف التي لا تعجبنا لكنها قد تعجب معظم الناس في أريافنا البائسة، لكن المأساة التي تزيح كل الأخلاق والأعراف والقيم والاتفاقيات والصفقات، عادة ما تبدأ بعد الزواج، إذ يفتح كل خلاف بين زوجين جبهة قتالية بين العائلتين، ليسقط بعض الضحايا إثر معارك كهذه، وكالعادة ووفق ما درجت عليه الأمور مؤخراً، هذا ال مؤخراً وليد ال سابقاً! يكون الضحايا من الأطفال والنساء، أي الزوجات وأطفالهن، سأوضح ما يحدث لكن بعد استكمال هذه الفقرة بمثال بعيد عن الموضوع، إذ عندما يقصف النظام السوري أرياف حلب وادلب بمساعدة روسيا وبهدف القضاء على مسلحي المعارضة، يقتل الأطفال والنساء، بينما مجاهدو جبهة النصرة يفصفصون البزر ويشربون الشاي في مكان آمن، وعندما يقوم مجاهدو جبهة النصرة بقصف مواقع النظام في حلب، يموت النساء والأطفال الحلبيون، بينما عناصر النظام يقرقعون المتة في مكان آمن، بمعنى آخر فإن أدمغة الصفقة والموقعين عليها (صفقة المقايضة) لا يتأثرون هم شخصياً، بل هناك ضحايا يعتبرون بنظر أولي الأمر متاعاً.
في أول خلاف بين زوجين (مادة الصفقة) يبدأ الثأر على الضفة الأخرى، فكلما شتمت إحداهن يجب أن تشتم الأخرى، وكلما ضربت إحداهن كان من الضرورة أن تضرب الأخرى، فما هذا الرجل (التشتوش) الذي يقبل أن تضرب أخته من قبل زوجها، بينما هو لا يضرب زوجته التي هي أخت من ضرب أختَه، أعرف أن الجملة السابقة معقدة، لكن حالة معقدة لا بد أن تنجب جملة معقدة، وقلما أن تتطور هذه الحالة لتصل إلى الطلاق، لماذا؟ ورغم مأساويتها! لأن أحد الزوجين لن يطلق زوجته حرصاً على أن لا تُطَلق أختَه، لذا تستمر معاناة الجميع، ويستمر رد الصاع صاعين، كما يكبر الأولاد وهم يعيشون ويشاهدون هذا الصراع.
أيضا من المجحف أن ينكر المرء نجاح بعض حالات المقايضة، ففي بعض الحالات تسير الأمور بشكل جيد لسبب ما، لكنها حالات لا تقارن عددياً مع الحالات الفاشلة، والمآسي التي تنتج عنها، وربما للمرء أن يدرك الخطأ من الصواب بمجرد التسمية التي تطلق على زواجين اثنين معا (المقايضة) وهل أكثر احتقارا لأقدس رابطة إنسانية؟!