كتب عدنان جمعة الأحمد:
زعموا ان زلزالا مدمرا سيضرب حلب عام 1997 ,فهرع الناس يحملون ماخف وزنه وغلا ثمنه واتجهوا نحو المحلق .
في ربيع ذلك العام ضربت عدة زلازل حلب خلال شهر رمضان ،فصارت الناس تخاف من اية اشاعة حول الزلزال .
وفي صيف ذلك العام سرت اشاعة ان زلزالا سيحدث ،بل وحددوا موعده انه يوم الثلاثاء القادم .
خرجنا برفقة جاري ابو مروان وحملنا عزبة خفيفة ،بعض الجبنة والخيار وغاز سفري ادخره للطوارئ في سقيفة بيتي الضيقة .
-والله ياابو جمعة منيح حذرونا من الزلزال
قال جاري ابو مروان
- انها مجرد اشاعة …لا احد يستطيع التنبؤ بالزلزال سوى الحيوانات وبخاصة الافعى والحمار ،لأنها الوحيدة التي تشعر بالزلزال قبل حدوثه .
اجبت جاري .
لكنني خرجت مع الخارجين وخضت مع الخائضين ،فما انا إلا من غزية ،إن غوت غويت وإن ترشد غزية ارشد .
كان ابو مروان لديه سرفيس دائري شمالي 14 راكب ،فركبنا معه وجلست الى جواره وهو يقود السرفيس على بركة الله .
خرجنا من الحارة قافلة من السيارات ،وكان خلفنا احد الجيران ويدعى سمعو ،يقود سيارته السوزوكي وتجلس الى جواره زوجته بكامل حشمتها.
ولم يكن ابو مروان يرتاح لسمعو ،فنظر الى المرآة وقال : - خلفنا سمعو …الله يستر !
وكان لمخاوف ابو مروان مبرراتها ،فقد كان سمعو قبل الزواج لصا وهجاما محليا ،يسرق كل شيئ ،تخصص في سرقة الخزانات والبراميل من اسطح البنايات ،ومع دخول الدش الى البلاد ،بات يسرق ابر الدش ويبيعها في سوق الجمعة .
اللصوص اختصاصات وسمعو مختص بكل شيئ يتعلق بسطح البناية ،برميل ،خزان ،مونة دبس بندورة ،ابرة دش …الخ .
منذ عدة سنوات جاء سمعو مكبلا برفقة الشرطة الجنائية وقرعوا باب بيتي وقال لي المساعد جميل ان ارافقهم الى سطح البناية ،فخرجت معهم الى السطح وصار سمعو يشرح للشرطة كيف سرق الإبر والبراميل من السطح .
اكتشفت حينها ان برميلي المزيبق مفقود ،وان سمعو هو السارق .
كانوا يعاملونه بخشونة ويضربونه بين الفينة والاخرى ،وبدا شكله هزيلا ومكسورا فحزنت لأجله ،فقلت للمساعد جميل : - انا اتنازل عن حقي في حيازة البرميل ،واعتبره هدية لسمعو ،ارجوك اطلق سراحه
قال المساعد جميل : - الامور لاتقف عند برميلك يااستاذ ،لأنه اعترف على مئات السرقات الاخرى ،ويجب ان نقدمه الى المحاكمة .
في ذلك اليوم صعد ابو مروان الى السطح وصار يطالب المساعد جميل ان ينزلوا بسمعو اقسى العقوبات .
بعد شهر خرج سمعو من السجن بطريقة بهلوانية ،فصادفته في الشارع فتقدم نحوي بسرعة وعانقني بحرارة ،وفي ذلك اليوم عاد برميلي المزيبق الى مكانه بحركة بهلوانية ايضا ،وعلمت ان عودة البرميل هي عربون صداقة بيني وبين اللص سمعو .
لكن سمعو مالبث ان تورط مع احدى العائلات في الحارة ،حيث شوهد على السطح يتلصص على احدى الفتيات وهي تنشر الغسيل ،فاجمتع اخوتها وصاروا ييبحثون عنه ليضربوه .
عاد سمعو واختفى ثانية من الحارة ،ثم ارسل والديه مع جاهة لخطبة تلك الفتاه ،وكان على رأس الجاهة المساعد جميل نفسه .
عجيبة هذه المدينة ،تنشأ فيها علاقات اجتماعية بين اللصوص والشرطة بحكم طول المعاشرة .
مدحه المساعد جميل واكد لأخوتها ان سمعو تاب بعد اول فلقة اكلها منه ،فهدأت الامور وتزوج سمعو تلك الفتاة . وصلنا الى المحلق لتجنب الزلزال المزعوم ،فافترشنا الارض والتحفنا السماء ،وبدأنا بصنع الشاي على غازي السفري .
كان الناس مثل يوم الحشر ،عائلات وشبان وفضوليون انتشروا على هضبة حلب الجديدة ليستمتوا بهذا اليوم الصيفي على غير موعد .
احضر البعض معهم ورق الشدة وبدأوا باللعب ،ومنهم من احضر دربكة ليملأ الاجواء بالإيقاع وكأننا في رحلة الى عيندارة باسوطة .
جاء الباعة من كل الاصناف ،بوشار ،بليلة ،موالح ،حتى باعة الخضار ،وبسطات التلل جاءت الى المحلق ،نسويني وليدي عرايسي ،مانطو عباية . سمعو يجلس غير بعيد عنا بجوار زوجته التي باتت تحمل على يدها طفلها الاول ،وسمعو حريص جدا عليها الى درجة سوء الظن ،فهي لاتخرج إلا برفقته ،ولم تعد تنشر الغسيل على السطح ،بل هو يقوم بنشر الغسيل ،كما انه يشطف الدرج بنفسه لكي لايلمحها احد ،ويرى سمعو ان ( وليدين الحرام ماتركوا شي لوليدين الحلال ) ويصنف نفسه مع وليدين الحلال .
بعد خروجه من السجن فتح محل دشات ،واشتهر المحل برخص اسعاره فخامرني الشك أنه يتعامل بالمسروقات ،لكن لم يثبت عليه احد هذه التهمة ،فربما انتقل من مرحلة السرقة الى مرحلة تصريف المسروقات وتبيض اموالها .
وكان المساعد جميل يزوره في المحل بين الفينة والاخرى ،وربما يعمل الآن مخبرا عند المساعد جميل .
تعب الناس عند المساء واشتاقوا الى بيوتهم ،وبدأ البعض بالعودة الى البيت بعد أن خاب املهم في حدوث الزلزال المدمر .
وقررنا انا وابو مروان ان نعود الى البيت ،وأن الموت تحت الركام افضل من الجلوس طيلة الوقت في العراء .
عدنا الى الحارة وكان اللصوص قد سرقوا كل ابر الدش في البناية ،كما سرقوا الخزانات والبراميل ،فصعدت الى السطح وكان الجمع مكتملا ،وفوجئت ان برميلي المزيبق في مكانه وابرة دشي الديجتال لم تتحرك من مكانها .
كان الجميع ينظر بعين الريبة الى سمعو ،ولولا انه كان معنا طيلة الوقت لكانوا قد اتهموه وقادوه الى المساعد جميل .
وكان سمعو يشرح لأهل البناية طريقة اللصوص ،كيف دخلوا وكيف نقلوا المسروقات وكيف هربوا …بحكم الخبرة في هذا المجال ،واما ابو مروان الذي سرق دشه بالكامل مع الصحن ،فقد كان الاكثر تضررا ،ووقف ينظر بشك وريبه تجاه سمعو وقال لي :
- هو من فعلها ( لاتشلحو من اجرك )
- كيف ذلك وقد كان معنا طيلة الوقت ؟!
- هدا يللي مجنني !
انفض الجمع من السطح وبقينا انا وسمعو وحدنا ،فقلت له : - كيف تفسر ان اللصوص لم يسرقوا برميلي المزيبق وابرتي دشي الديجتال ؟!
- مو عيب استاذ ،انا وصيت فيك كل الشباب ماحدا يقرب ع بيتك .
تأكدت حينها ان سمعو يقف وراء السرقة ،وتأكدت ان بيتي منذ ذلك اليوم بأمان اكثر من اي وقت مضى ،لأنه في حماية اللصوص .
*عدنان جمعة الاحمد كاتب صفحة حكايات من حلب على فيسبوك وهي مصدر القصة.