شكسبير والفيزا المرفوضة
اسمه شكسبير، هكذا ينادونه في بيت القصيد في الفردوس تاور بدمشق، ويدلعونه فيقولون له ( شيكس)، اسمه الحقيقي إيهاب، لكن نشاطه الملحوظ في ترجمة الشعر الإنكليزي، وخصوصاً سوناتات شكسبير، وقراءتها في بيت القصيد أعطته هذا الإسم، حتى أن من النادر أن تجد من يناديه باسمه الحقيقي، ومن الطبيعي أن يكون الأجانب من رواد بيت القصيد أصدقاء له، فهم يحتاجونه دائماً لترجمة قصيدة ما سيقرأونها بعد قليل، أو محادثة ما سيجرونها الآن، لذلك فهو يقوم بمهام الترجمة الفورية على منبر بيت القصيد حال إلقاء أحد الضيوف الأجانب لكلمة ما، ويقوم بمهام الترجمة بين المتعارفين لتوهم على بعضهم البعض في بيت القصيد، وشكسبير سعيد دائماً بهذه الأعمال لأنني نسيت أن أقول لكم أن هوايته المفضلة هي الكلام. بقي شكسبير في دمشق إلى هذا الوقت إلى أن أرسلنا له دعوة للمشاركة في فعاليات بيت القصيد بأوسلو، جاءنا شكسبير من بيروت إلى تركيا راكباً الطائرة لأول مرة في حياته وبجانبه دكتور أردني في أمر ما نسيت ما هو كما عرَّف عن نفسه لشكسبير، لم يسبق لشكسبير السفر خارج سوريا، مع أنه يعرف كل شيء عن أوروبا وأمريكا، يعرف تفاصيل الثورة الفرنسية، وقصة حياة دستويفسكي، والأدب والفن في كل عهود النهضة الأوربية والغربية منذ أسخيلوس إلى مايكل جاكسون، لكنه يحمل في داخله شاباً سورياً محافظاً في سريرته. وانطلقت الطائرة، كان الخوف رفيقاً مزعجاً عكَّر صفو الأحلام الشكسبيرية المنطلقة إلى أرض الأحلام، لكن الدكتور في أمر ما رفيق سفر أيضاً وخيرمُعين للمسافرين لأول مرة على متن الخطوط الجوية، وهاهو شكسبير السوري على متن الخطوط الجوية التركية الآن يحلم بأنه سيرى بلاد إبسن، تركيا ليست إلا محطة، سيهبط في أنقرة كي ينجز مقابلته في السفارة النرويجية، ثم يأتينا إلى ميرسين بانتظار السفر إلى الجنة، وصرخ شكسبير صرخة هزت أرجاء الطائرة وقطعت أنفاس الركاب، أوقفوا الطائرة..أوقفوها، كذلك هتف شكسبير والطيارة تنطلق على المدرج بسرعة الريح قبل أن تقلع وتصبح طيراً في الأعالي، أمسك الدكتور في أمر ما بشكسبير بقوة وأجلسه على مقعده مهدئاً إياه، وهدأ شكسبير وهو يرى نفسه فوق الغيوم، أوووه، يا له من مكان جميل لولا الرعب، إنه فوق السحاب واقعياً ومجازياً بآن، والخوف يقول له أنه ما زال على أرض الواقع رغماً عن كل هذا الطيران، وعادت لشكسبير طبيعته بعد ساعة من الطيران فسارع إلى ممارسة هوايته المفضلة..ألا وهي الكلام، ودخل في دردشة مطولة مع الدكتور حتى الوصول إلى أنقرة، بدأت الطائرة بالتحويم فوق المطار استعداداً للهبوط، وعاد الرعب ليتسلى مع ربيبه الخوف في دواخل شكسبير وأعماقه، أمر الدكتور أن يرفع شكسبير مؤخرته عن المقعد قليلاً مع وجود الحزام وان يخفض رأسه كي لا يدوخ، ونفذ شكسبير الأمر، وهبطت الطائرة، وتنفس شكسبير الصعداء، وعادت الإبتسامة إلى وجهه، دون أن ينسى شكر الدكتور الأردني على كل شيء.
أنجز شكسبير مهامه من أجل الفيزا، كما أنه إحتياطياً أجرى مقابلة مع إحدى المعاهد الأمريكية هناك كي يقوم بمهام مدرس لغة انكليزية فيه، وفي ميرسين سارع إلى إنجاز أوراق إقامته في تركيا، كما قام بتقديم السي في إلى أكثر من معهد، وجاء الخبر السيء، الفيزا مرفوضة لكل من شكسبير وخضر الذي أتى من مصر إلى تركيا لذات السبب، وعم الحزن في البيت من أجل شكسبير وخضر وفيزتهم المرفوضة، وسارعت تعاطفاً إلى تأليف موال غنيته في المطبخ وسجلناه على فيديو الموبايل ثم نشرناه على اليوتوب والفيسبوك، لاطلع عَ راس الجبل..واصيح مخضوضة…شباب متل الورد..فيزتهم مرفوضة. وأبدى الأصدقاء إعجابهم بهذا الموال، وانهمرت اللايكات، وانهالت التعليقات، وافتر فم شكسبير عن ابتسامة رضا، فهو في الهوا سوا، مثله مثل باقي الناس، ليس بالإمكان أن تحصل على فيزا إلى أوروبا بهذه السهولة أيها السوري. ورن موبايل شكسبير التركي، أنقرة معك مستر إيهاب، مين إيهاب؟!! ..تم قبوله للتدريس في معهد أمريكي يقع في مدينة تقع بدورها بين أنقرة واستنبول، اسمها صعب لم نحفظه، كما أننا لم نجدها على الخريطة، ومضى من جديد إلى أنقرة، وفي شوارع ميرسين وبينما يمضي باتجاه الكراج سمع صوتاً يناديه: هيييي شيكس. ـ واووو..ميتش. وتعانقا هو وميتش الأمريكي سائق الشاحنة الذي جاء إلى بيت القصيد وصار يغني فيه أغاني الكانتري، ويقرأ فيه أشعاراً من تأليفه بالإنكليزية مترجمة إلى العربية بواسطة شكسبير على الحارك في قبو بفندق فردوس تاور بدمشق ذات زمن مضى، إذن لقد خرج هو أيضاً كما معظم الأجانب الذين كنا نعرفهم في دمشق، ما أصغر الدنيا!! شكسبير صار في المدينة البعيدة المغمورة بين المدينتين الشهيرتين، أخبرنا بسعادة أنهم غيروا اسمه من إيهاب إلى إدوارد كي يكون أهيَب، قالوا: سنقول للطلاب أنك من كندا كي تكون محترماً أكثر، وشكسبير السوري يمضي كل يوم إلى تدريس الإنكليزية على اساس أنه كندي، اسمه في البيت والحارة إيهاب، وفي بيت القصيد وأوساط الشعر والثقافة شكسبير، وفي المعهد الأمريكي إدوارد، نعم إدوارد المدرِّس في مدينة بين أنقرة واستنبول لم نعثر عليها في الخريطة، اسمها صعب، لم نحفظه، فسميناها مدينة شكسبير.
ميرسين 2014
مذكرات سائح بالصرماية
